المشترك اللفظي

المشترك اللفظي
1.      مفهوم المشترك اللفظي

       إذا كان الترادف يعني وجود كلمات عديدة تدل على معنى واحد، فالمشترك نقيضه إذ هو كلمة واحدة تدل على معان متعددة على سبيل الحقيقة أو المجاز(عبد الكريم مجاهد:د.ت:112). وقال ابن فارس والثعالبي والسيوطي إن المشترك هو اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة (محمد علي رزق الخفاجي:376:1982)

       و مثال ذلك: العين التي هي في الأصل عضو الإبصار , فلأن  الدمع يجري منها كما يجري الماء , أو لمعانها و ما يحف بها من أهداب تشبه عين الماء التي تحف بها الأشجار , و العين من أعيان الناس و هم وجهاؤهم , لقيمتهم في المجتمع التي تشبه قيمة العين في الأعضاء , و العين بمعنى الإصابة بالحسد لأن العين هي المتسببة في هذه الإصابة....و ما إلى ذلك من معان .

ومن استقر الأمثلة التي ذكرها اللغويون للمشترك اللفظي يتبين أنه يتحقق عندما تؤدي كلمة ما أكثر من معنى من غير نظر إلى:
v      ماإذا كانت هناك علاقة بين معنيين أو لا، فالأول فمثل كلمة"البشرة" التي تعني في الحقيقة جلد الإنسان وتستعمل كذلك لعلاقة المشابهة بمعنى النبات، والثاني مثل كلمة "الأرض" التي ذكر كراع من معانيها: قوائم الدابة-والزكم-والرعدة.
v      ما إذا كانت على معنيين متضادين فهو من باب الأضداد أو التضاد و هو ضرب من ضروب الاشتراك إذ يطلق اللفظ على المعنى و نقيضيه مثال ذلك : الأزر : القوة و الضعف , السبل : الحلال و الحرام , الحميم : الماء البارد و الحار , المولى : السيد و العبد , الرس : الإصلاح و الفساد ....الخ ،
v      ما إذا كان المعنيان متوزعين بين لهجتين أو مستعملين في لهجة واحدة. فالأول مثل كلمة "السرحان" التي تعني الأسد في لهجة هذيل والذئب عند عامة العرب، و"السليط" التي تعني عند أهل اليمن دهن السمسم والزيت عند عامة العرب.
v      ما إذا كانت الكلمة في أحد معنييهاتنتمي إلى قسم معين من أقسام الكلام، وفي المعنى الأخر إلى قسم الأخر، أو كانت تنتمي بمعنييها إلى قسم واحد. فالأول مثل كلمة "أجم" التي تستعمل فعلا في مثل قولهم "أجم الأمر" إذا اقترب، وتستعمل وصفا في قولهم " كبش أجم" إذا كان بغير قرون، و"رجل أجم" إذا كان بدون رمح.

2.      أراء العلماء في اللفظ المشترك
       قد إحتلف الباحثون في ورود اللفظ المشترك في اللغة العربية، وأهمها يتفرع إلى فريقين:
      الفريق الأول: ذهب إلى إنكار ورود اللفظ المشترك في اللغة العربية، هذا الرأي على أن اللفظ قد وضع في أحد معانيه حقيقة وفي المعاني الأخرى مجازا، وعلى الرأس هذا الفريق ابن درستويه (إميل بديع يعقوب:189:د.ن:178). وقد أنكر ابن درستوية أن يكون للفظ " وجد من المعاني  المختلفة كما رواه اللغويون فيه وهي: العثور على الشيء، والغضب، والعشق، وقول في شرح فصيح ثعلب: " فظنّ من لا يتأمل المعاني، ولم يتحقق الحقائق، ان هذا لفظ واحد، قد جاء لمعان مختلفة، وإنما هذه المعاني كلها شيء واحد وهو إصابة الشيء خيرا كان أو شرا ولكن  فرقوا بين المصادر ( أحمد مختار عمر: 156:1988 )
       الفريق الثاني: ذهب إلى كثرة ورود اللفظ المشترك في اللغة العربية، ومن هؤلاء الأصمعي والخليل وسيبويه ,وأبو عبيدة وأب زيد الأنصاري وابن فارس وابن مسعدة والمبرد والسيوطي. يتأسس هذا الرأي على أنه ممكن الوقوع لجواز أن يقع إما من واضعين، بأن يضع أحدهما لفظا لمعنى، ثم يضعه الآخر لمعنى آخر. ويشتهر ذلك اللفظ بين الطائفتين في إفادته المعنيين، وهذا على أن اللغات قير توفيقية، وإما من واضع واحد لغرض الإبهام على السامع حيث يكون التصريح سببا للمفسدة. ومن الناس من أوجب وقوعه لأن المعاني غير متناهية والألفاظ متناهية. لذلك لزم الإشتراك، ومثال ذلك لفظ: "النوى" قد وضع لمواضع، "النوى" بمعنى الدار والنية والبعد (جلال الدين السيوطي: د.ت : 1، 369-370)  
3.      العوامل المؤثرة في المشترك اللفظي
       بتحليل كلمات المشترك اللفظي التي وردت في كتاب "المنجد " لكراع يتبين أن أسباب المشترك اللفظي كثيرة منها: الأسباب الداخلية والأسباب الخارجية.
       أما النوع الأول فينقسم إلى قسمين هما:
أ‌-            تغيير في النطق، ويؤدي إلى تغيير النطق شيئان، هما:
·      تغيير النطق عن طريق القلب المكاني، مثل: عندنا الفعل: "خطا" من الخطو، والفعل "خاط" من الخياطة ولكن بقلب خطا إلى خاط صارت الكلمة الأخيرة من المشترك اللفظي.
·      تغيير النطق عن طريق الإبدال، فطريقه تتطابق كلمتان لهما معنيان مختلفان فتصبحان كلمة واحدة بمعنى متعدد. مثل: الكلمتان آلة وحالة حولت العرب ثانيتهما إلى صورة الكلمات الأولى فصارتا كلمة واحدة يمعنيين مختلفين.
ب –   تغيير في المعنى، ويؤدي إلى تغييرالمعنى شيئان، هما:
·      تغيير المقصود للمعنى، ويوجد عند ما يراد إدخال كلمة ما لغة المتخصصين فتصبح مصطلحا علميا، مثل: لفظ" التوجية" من وجهت الرجل في الحاجة، والتوجية في - قوافي الشعر- الحرف الذي قبل حرف الروى في قافية المقيد نحو قول رؤبة: " وقائم الأعماق خاوى المخترق" فالراء توجيه.
·      تغيير التلقائي للمعنى، فيحدث حين توجد علاقة بين المعنيين فإذا كانت علاقة بين المعنيين المشابهة كان المعنى الجديد استعارة وإلا كان مجازا مرسلا. مثل: كلمة"البشرة" التي تعني في الحقيقة جلد الإنسان وتستعمل كذلك لعلاقة المشابهة بمعنى النبات. 
أما النوع الثاني فهي إختلاف البيئة، ويتحقق السبب الخارجي حينما تستعمل الكلمة بمعنيين في بيئتين مختلفين. مثل: العين : التي تطلق على العين الياصرة، وعين الماء، وعين الشيء وغير ذلك (أحمد مختار عمر: 159:1988-162)
ويزاد في كتاب فقه اللغة العربية وخصائصها (إميل بديع يعقوب: د. ن:181) : يعني: العوارض التصرفية التي تطرأ على لفظين متقاربين في صيغة واحدة، فينشاء عنها تعدّد في معنى هذه الصيغة. ومن الأمثلة على هذا النوع من الإشتراك لفظ "وجد" فيقال: وجد الشيء وجودا أو وجدانا إذا عثر عليه، ووجد عليه موجدة إذا غضب، ووجد به وجداإذا تفاني في حبّه.
4.      المشترك اللفظي في اللغة العربية
       ظهرت في اللغة العربية منذ وقت مبكر كتب كثيرة تعالج ظاهرة المشترك اللفظي، فمنه ما اتجه إلى دراسته في اللغه العربية ومنه ما اتجه إلى دراسته في القرآن الكريم.  وقد صنف اللغويون كتبا يبحث عن موضوع المشترك اللفظي  إما اتجه إلى دراسته في اللغة العربية وإما اتجاه إلى دراسته في القرآن الكريم.
       فقد كان من رواده الأصمعي واليزيدي وأبو العميثل وكراع النمل هم  يتجهون  إلى دراسة المشترك اللفظي في اللغة العربية مثل كتاب أبو العميثل "كتاب مااتفق لفظه واختلف معناه (ت. 240هٍِجرية )، وكتاب كراع ( المنجد  مااتفق لفظه واختلف معناه. وكثيرا من مادته ماخوذ من مراجع قديمة لم تصل إلينا وأنه يحتوي على مجموعة لا بأس بها من التعبيرات المحلية ( أحمد مختار عمر:151:1988-152).
       كما عرفنا أن العوامل المؤثرة في المشترك اللفظ كثير منها إختلاف البيئة.مثل: لفظ عين، وقد اختلف الأصمعي وأبو عبيد وأبو العميثل وكراع       في تفسير معنى "العين" كما يأتي:
الأصمعي
أبو العميثل
أبو عبيد
كراع
العين: النقد من الدراهم والدنانير ليس بعرض، والعين: مطر أيام لا يقلع، وغير ذلك.
العين: عين البشر, والعين: عين النفس وهو من قولهم عان الرجل إذا أصابه بعين، وذلك إذا نزر إليه فتعجب له، وغير ذلك.
العين : الذهب، العين: عين الماء وكثرة المطر، والعين : العين التي يبصربها، والعين : تفس الشيء تقول هو الرجل بعينه، وغير ذلك.
العين: طائر أصفر البطن أخضر الظهر بعظم القمري. ويقال لقيته أول عين: أي أول شيء، وغير ذلك.

5.      المشترك اللفظي في القرآن الكريم
       وقد عد السيوطي من إعجاز القرآن ألفاظه المشتركة بل عدها من أعظم إعجازه حيث كانت الكلمة الواحدة تتصرف إلى عشرين وجها وأكثر وأقل كما أشاره السيوطي في كتابه " الإتقان". وتعالق المشترك اللفظي الوجوه (اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان)، والنظائر (ما اختلف لفظه واتحد معناه). وكل مشتراك لفظي في داخله ترادف.  كلفظ "الهدى" له سبعة عشر معنى في القرآن وهي: الثبت، والتبيان، والدين، والإيمان، والدعاء، والرسل والكتب، والمعرفة، والنبي، والتوراة، والإسترجاء، والحجة، والتوحيد، والسنة، والإصلاح، والإلهام، والتوبة، والإرشاد (محمد نور إخوان:87:2002).

       واللسان في القرآن الكريم  على أربعة أوجه: اللغة والدعاء والعضو المعروف والثناء الحسن. فمعنى هذا أن اللسان له أربعة وجوه أو أربعة معان فهو مشتراك لفظي. وهو في نفس الوقت  يملك عدة نظائر أو مترادفات. فاللسان مع اللغة يكون ترادفا، وهو مع الدعاء يكون ترادفا ثانيا، ومع الثناء الحسن يكون ترادفا ثالثا.. وهكذا. ( أحمد مختار عمر:149:1988).

0 comments:

Copyright © 2013. BloggerSpice.com - All Rights Reserved
Customized by: MohammadFazle Rabbi | Powered by: BS
Designed by: Endang Munawar