الرياض البديعة في أصول الدين وبعض فروع الشريعة على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه للشيخ الفاضل محمد حسب الله






الرياض البديعة
في أصول الدين وبعض فروع الشريعة
على مذهب الإمام الشافعي
رضي الله عنه

للشيخ الفاضل محمد حسب الله

     الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
     (أما بعد) فهذا مختصر في أصول الدين وجملة من فروعه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه سميته: (الرياض البديعة) في أصول الدين وبعض فروع الشريعة، راجياً من الله أن ينفع به طلبة العلم لا سيما المبتدئين وأن يوجه إليه رغبة الراغبين.
     اعلم أنه يجب على كل شخص من المكلفين ولو كان رقيقاً أن يعرف أركان الإسلام والإيمان. فأركان الإسلام خمسة: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت الحرام إن استطعت إليه سبيلاً.

     وأركان الإيمان ستة: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ويجب عليه أيضاً أن يعرف عقائد الإيمان وهي الصفات الواجبة لله تعالى والمستحيلة عليه والجائزة في حقه والصفات الواجبة للرسل عليهم الصلاة والسلام. والمستحيلة عليهم والجائزة في حقهم.
     (فيجب) لله تعالى الوجود والقدم والبقاء ومخالفته تعالى لجميع خلقه وقيامه تعالى بنفسه، ومعناه أنه تعالى لا يفتقر إلى ذات يقوم بها ولا إلى موجد يوجده، بل هو تعالى الموجد للأشياء كلها، يجب له تعالى الوحدانية ومعناها أنه تعالى لا ثاني له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فهذه ست صفات، الأولى منها تسمى صفة نفسية وهي الوجود والخمسة التي بعدها يقال لها صفات سلبية، ويجب له تعالى أيضاً سبع صفات يقال لها صفات المعاني وهي: القدرة والإرادة والعلم المحيط بجميع المعلومات والحياة والسمع والبصر والكلام الخالي عن الحروف والأصوات وغيرها مما يوجد في كلام الحوادث.
     (ويستحيل) عليه تعالى العدم والحدوث والفناء ومماثلته تعالى لشيء من خلقه وافتقاره إلى ذات أو موجود، وأن لا يكون واحداً في ذاته أو صفاته أو أفعاله، ويستحيل عليه تعالى العجز ووجود شيء من العالم بغير إرداته تعالى والجهل بشيء من المعلومات والموت والصمم والعمى والبكم، أو وجود حرف أو صوت في كلامه القديم.
     (ويجوز) في حقه عز وجل فعل كل ممكن وتركه.
     (ويجب) له تعالى إجمالاً كل كمال يليق بذاته العلية ويستحيل عليه جميع النقائص، والدليل على ذلك كله وجود هذا العالم على هذا الشكل البديع.
     (ويجب) للرسل عليهم الصلاة والسلام الصدق في جميع ما أخبروا به ولو بالمزح والأمانة والفطانة وتبليغ ما أمروا بتبليغه للخلق.
     (ويستحيل) عليهم الكذب والخيانة والبلادة وكتمان شيء مما أمروا بتبليغه.
     (ويجوز) في حقهم صفات البشر التي لا تنقص بسببها مراتبهم العلية كالأكل والشرب والمرض والوقاع الحلال.
     (ويجمع) معنى هذه الصفات كلها قول لا إله إلا الله محمد رسول الله.
     (ويجب) على المكلف أيضاً أن يعتقد أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام من جملة عباد الله المكرمين وأنهم معصومون من جميع المعاصي منزهون عن صفات البشر، وأنه لا يعلم كثرتهم إلا الله تعالى ومنهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وهؤلاء الأربعة هم الرؤساء وهم أفضلهم، ومنهم حملة العرش وهم الآن أربعة ويزاد عليهم يوم القيامة أربعة ومنهم: منكر ونكير ورضوان خازن الجنة ومالك خازن النار، وأن يعتقد أن أفضل الخلق كلهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم الرسل ثم الأنبياء ثم الملائكة صلوات الله وسلامه عليهم، ثم الصحابة رضي الله عنهم، وأن يعتقد أن الخلق كلهم يموتون عند انقضاء أعمارهم، وأن القابض لأرواحهم ملك الموت وهو عزرائيل، وأنهم يسألون بعد دفنهم في قبورهم إلا جماعة مخصوصين، وأنهم يبعثون يوم القيامة ويحاسبون في الموقف على أعمالهم إلا من يدخل الجنة بغير حساب، وأن أعمالهم كلها توزن في الميزان، وأنهم يمرون جميعاً على الصراط، وأن المؤمنين يشربون من حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وينالون شفاعته يوم القيامة وأكبر شفاعاته صلى الله عليه وسلم الشفعة العظمى في فصل القضاء، وأن يعتقد أن نبينا صلى الله عليه وسلم عربي قرشي وهو محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
     (وأمه) آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وأنه أبيض مشرب بحمرة، وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، وأنه ولد بمكة وبعث بها وهاجر إلى المدينة المنورة بعد الإسراء ومات بها، ودفن بها في بيت عائشة رضي الله عنها، وأن شريعته نسخت جميع الشرائع السابقة عليها وتبقى مستمرة إلى يوم القيامة.
     ويجب على المكلف أيضاً أن يعرف شرائع الدين وهي فروعه وأهمها: الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج، ونطلب من الله تعالى الإعانة على ذكر الأهم منها والبركة فيه فنقول:

كتاب الطهارة
     لا يصح الوضوء والغسل وإزالة النجاسة إلا بالماء الطهور وهو الذي لم تقع فيه نجاسة ولا شيء طاهر يذوب ولم يكن قليلاً مستعملاً وينحصر في النازل من السماء والنابع من الأرض،  فإذا وقع فيه شيء من الطاهرات التي تذوب كالعسل أو ينفصل منها شيء كالزعفران وغيره تغيـيراً فاحشاً فهو طاهر في نفسه لكنه لا يرفع الحدث ولا يطهر النجس ولو كان ألف قربة، ومثله الماء المستعمل إن كان أقل من قلتين ولم يتغير بالنجاسة والمستعمل هو الذي رفع به الحدث أو أزيلت به نجاسة، وإذا وقع فيه نجاسة وتغير بها طعمه أو لونه أو رائحته ولو تغيراً يسيراً تنجس ولو كان قدر البحر، فإن لم يتغير بها منه شيء لم يتنجس إلا إذا كان أقل من قلتين، وإذا زال تغيره بنفسه أو بماء وضع عليه عاد طهوراً، وكذا لو زال التغيـير بماء أخذ منه وكان الباقي قلتين. والقلتان خمسمائة رطل برطل بغداد وقدروها بخمس قرب من قرب الحجاز، ولو وقع في السمن مثلاً أو في الماء القليل نجاسة لا يراها البصر المعتدل أو ميتة ليس لها دم سائل كعقرب ووزغ ولم تغيره لم يتنجس.

     (فصل): ويحل استعمال جميع المواعين الطاهرة من كل نجس إلا مواعين الذهب والفضة فيحرم استعمالها لغير ضرورة، ويحرم استعمال المطلي بذهب أو فضة إن كثر طلاؤه وتحصل منه شيء بعرضه على النار.

     (فصل): الحيوانات كلها تنجس بموتها إلا الآدمي والسمك والجراد والمأكول المذبوح إن ذبح ذبحاً شرعياً، وجلودها تطهر بالدباغ ظاهراً وباطناً إلا جلد الكلب والخنزير والمتولد منهما أو من أحدهما ولو مع حيوان طاهر، وإذا دبغ الجلد ولم يغسل بعد دبغه صار متنجساً فلا يحل استعماله مع الرطوبة ولا تصح الصلاة معه إلا بغد غسله.

باب نواقض الوضوء
     نواقضه أربعة:
     (الأول) خروج شي من القبل أو الدبر وإن خرج قهراً وكان ظاهراً إلا مني الشخص الخارج منه أول مرة.
     (والثاني) زوال التميـيز بجنون أو سكر أو مرض أو نوم إلا من نام ممكناً مقعده من مقره.
     (والثالث) ملامسة الرجل للمرأة الأجنبية من غير حائل بين جلديهما ولو كان كل منهما هرماً أو حصلت الملامسة بغير الاختيار وينتقض بها وضوء كل منهما.
     (والرابع) مس قبل الآدمي أو حلقة دبره بباطن الكف بلا حائل ولو مع السهو أو الإكراه، وينتقض به وضوء الماس فقط إلا إن كان المس بين رجل وأنثى أجنبية فينتقض به وضوؤهما كما سبق. ويحرم بالحدث الأصغر الصلاة والطواف ومس المصحف حتى كيسه وصندوقه ما دام فيهما، ويحل قلب ورق المصحف بعود إلا إن انفصلت الورقة وحملت عليه، ويحل حمله في متاع إلا إن قصد المصحف وحده بالحمل، ويحل حمل التفسير إن كان أكثر من القرآن يقيناً، ولا يمنع الصبي المميز من مس المصحف وحمله لحاجة التعليم.

     (فصل): يجب الاستنجاء من كل خارج من القبل أو الدبر إن كان نجساً ولوث محل خروجه، ويجوز أن يستنجي الشخص بالأحجاء فقط ولو بلا عذر وإن كان على طرف البحر، والاقتصار على الماء أفضل من الاقتصار على الحجر والجمع بينهما أفضل، ويجب تنظيف المحل من عين النجاسة وأثرها إن استنجى بالماء، فإن استنجى بالحجر عفي عن الأثر القليل الذي لا يزيله إلا الماء أو الخزف الصغار، وإذا اقتصر على الحجر وجب ثلاث مسحات وإن نظفت المحل أقل منها وإن لم تنظفه الثلاث وجب أن يزيد عليها حتى ينظفه، فإن نظفه بوتر لم يزد عليه شيئاً، وإن نظفه بشفع فالسنة له أن يزيد واحدة، ويقوم مقام الحجر في الاستنجاء كل جامد طاهر خشن يقلع عين النجاسة كخرقة. وشرط الاستنجاء بالحجر أن لا ينشف الخارج النجس، وأن لا ينتقل عن المحل الذي استقر فيه، وأن لا يجاوز البول حشفة الذكر ولا الغائط صفحة الأليتين، وأن لا يصل بول الأنثى إلى محل جماعها.

باب الوضوء
     الفروض التي لا يصح الوضوء إلا بها ستة:
     (الأول) النية ويجب أن تكون مقرونة بأول جزء يغسله من الوجه وينوي المتوضىء رفع الحدث أو فرض الوضوء أو الوضوء فقط أو نحو ذلك.
     (والثاني) غسل الوجه من منابت شعر الرأس إلى منتهى الذقن، ومن وتد إحدى الأذنين إلى وتد الأخرى، ويجب غسل الشعر النابت في الوجه ظاهراً وباطناً إلا اللحية الغزيرة فيكفي غسل ظاهرها فقط والسنة تخليل باطنها، ويجب أيضاً غسل السلعة النابتة في الوجه وإن طالت جداً.
     (والثالث) غسل اليدين مع المرفقين، ويجب غسل الشعر النابت عليهما ظاهراً وباطناً وإن كثر وطال وغسل سلعتهما وإن طالت.
     (والرابع) مسح جزء من جلد الرأس أو من الشعر النابت فيه ولو رأس شعرة واحدة بشرط أن لا يمسح على الطويل الخارج عن حد الرأس
     (والخامس) غسل الرجلين مع الكعبين من كل رجل وشعر الرجلين وسلعتهما كشعر اليدين، ويجب تحريك الخاتم الضيق وتخليل أصابع اليدين والرجلين إن كان الماء لا يصل إليه إلا بذلك.
     (والسادس) ترتيب الأعضاء بأن يقدم الوجه على اليدين واليدين على الرأس والرأس على الرجلين، ويجب في الوضوء إزالة الأوساخ التي تمنع وصول الماء إلى الأعضاء إلا إن كان في إزالتها شدة مشقة، ومثلها الأوساخ التي تحت الأظفار، ولا يكفي مسح الأعضاء المغسولة بل لا بد من سيلان الماء عليها، وإذا ترك لمعة صغيرة من عضو ولو سهواً لم يصح الوضوء حتى يغسلها ويعيد غسل الأعضاء التي بعدها.
     وسنن الوضوء كثيرة: منها استقبال القبلة فيه والتسمية مقرونة بأوله وغسل الكفين معاً إلى الكوعين ثم المضمضة ثم الاستنشاق ومسح الرأس كله ثم مسح الأذنين معاً ظاهراً وباطناً بماء جديد وتقديم اليمين على الشمال من اليدين والرجلين، وتطهير كل عضو ثلاث مرات متوالية، والموالاة لغير دائم الحدث.
     (وأما السواك) فليس من السنن الخاصة بالوضوء بل هو سنة في كل حال إلا في الصوم فيكره من الزوال إلى الغروب ويتأكد استحبابه عند الوضوء ومحله فيه قبل المضمة، ويتأكد أيضاً عند تغير الفم والانتباه من النوم وإرادة الصلاة وقراءة القرآن والعلم وتحصل السنة فيه بكل طاهر خشن يزيل صفرة الأسنان ولو خرقة وأفضله الأراك اليابس المبلول بالماء.

باب الغسل
     لا يجب الغسل على الحي إلا بالجنابة أو الولادة ولو من غير بلل أو انقطاع الحيض أو النفاس، وتحصل الجنابة إما بدخول الحشفة أو مقدارها في قبل أو دبر ولو لبهيمة وإن لم يحصل إنزال، وإما بنزول المني ولو بغير إيلاج كالحاصل في النوم.
     وله فرضان لا يصح إلا بهما،
     (الأول): النية مقرونة بأول جزء يغسله من جسده وينوي المغتسل رفع الحدث أو فرض الغسل أو نحو ذلك.
     (والثاني) تعميم جسده ظاهراً فقط وشعره ظاهراً وباطناً بالماء مرة واحدة، ويجب على المغتسل أن يتعصر حتى تنفتح حلقة دبره ويغسلها عن الحدث، وعلى الأنثى أن تغسل ما يظهر منها عند قعودها على قدميها أيضاً فإن ذلك كله من ظاهر الجسد، فلو ترك في الغسل ولو نسياناً لم يصح الغسل وإلا فضل أن يغسل هذين المحلين قبل جسده بنية تخصهما غير النية على بقية الجسد.
     (وسنن الغسل) كثيرة منها الوضوء كاملاً قبله ودلك أعضائه والابتداء بالشق الأيمن من جسده وتعميم جسده بالماء ثلاث مرات واستقبال القبلة حال غسله.
     (ويحرم) بالجنابة قراءة القرآن والمكث في المسجد والمحرمات بالحدث الأصغر.

باب التيمم
     لا يصح التيمم بشيء من أجزاء الأرض إلا بالتراب الخالص الطاهر الذي له غبار بشرط أن ينقله ولو من الهواء وأن يكون بعد دخول وقت العبادة التي يتيمم لها.
     (وأسبابه) ثلاثة:
     (الأول): عدم الماء.
     (والثاني): خوف الضرر من استعماله بسبب مرض أو نحوه.
     (والثالث): احتياجه لشربه أو شرب حيوانه المحترم.
     فروضه أربعة:
     (الأول) النية مقرونة بنقل التراب وبأول جزء يمسحه من الوجه وينوي المتيمم استباحة الصلاة مثلاً.
     (الثاني) مسح الوجه طولاً وعرضاً حتى المقبل من أنفه وشفتيه.
     (الثالث) مسح اليدين مع المرفقين ولا تكفي ضربة واحدة للوجه واليدين بل لا بد لكل منهما من ضربة مستقلة.
     (الرابع) الترتيب بأن يقدم مسح الوجه على مسح اليدين.
     (ويبطله) ما يبطل الوضوء والردة وزوال المانع قبل الشروع في الصلاة التي يتيمم لها.
     (ولا يفعل) بالتيمم الواحد فرضين بل فرضاً فقط وما شاء من النوافل التي دخل وقتها قبل التيمم.
      (ويعيد) المتيمم صلاته إن تيمم للبرد أو صلى في محل يغلب فيه وجود الماء.

باب النجاسة وإزالتها
     الحيوانات كلها طاهرة إلا الكلب والخنزير والمتولد منهما أو من أحدهما، والميتة كلها نجسة إلا الآدمي والسمك والجراد وكل ما خرج من السبيلين نجس إلا المني والريح والحصى إن لم ينعقد من البول.
     والنجاسة ثلاثة أقسام: مخففة ومغلظة ومتوسطة،
     (فالمخففة) بول الذكر الذي لم يبلغ حولين ولم يتناول غذاء غير اللبن ويطهر محلها برش الماء عليه مرة واحدة حتى يعمه بشرط أن تزول عين البول قبل الرش.
     (والمغلظة) نجاسة الكلب والخنزير والمتولد منهما أو من أحدهما ولا يطهر محلها حتى يغسل سبع مرات إحداهن مخلوطة بالتراب الطهور ولا يكتفي بالسبعة إلا إن زالت عين النجاسة بالمرة الأولى فإن زالت بغير الأولى فجميع الغسلات السابقة على زوالها يحسب مرة واحدة ويجب بعدها تمام السبعة.
     (والمتوسطة) بقية النجاسات ويطهر محلها بجريان الماء عليه مرة واحدة إن لم يكن للنجاسة جرم ولا طعم ولا لون ولا رائحة، فإن كان لها شيء من هذه الأوصاف فلا يطهر محلها حتى يزول ذلك الوصف ويعفى عن اللون وحده وعن الريح وحده إذا عسر زواله، ولو توقف زوال النجاسة على صابون أو غيره وجب استعماله، ويعفى عن النجاسة التي لا يراها البصر المعتدل وعن القليل من الدم والقيح إن كان من غير كلب وخنزير، وعن الكثير أيضاً إن كان من الشخص نفسه وخرج بغير فعله، ولا يتنجس الطاهر الناشف إذا أصابته نجاسة ناشفة، ولا يطهر شيء من نجس العين إلا جلود الميتة إذا اندبغت والخمر إذا انقلبت خلاً بنفسها، ولا يضر فورانها ولا نقلها من الشمس إلى الظل ولا العكس، فإن طرح فيها شيء قبل تخللها ولو طاهراً وبقي فيها حتى تخللت لم تطهر.

باب الحيض والنفاس
     الحيض هو الدم الخارج من قبل المرأة في صحتها بلا سبب.  والنفاس هو الدم الخارج منها بعد تمام ولادتها. وأقل سن الحيض تسع سنين تقريباً، وأقل مدته يوم وليلة وأكثرها خمسة عشر يوماً وغالبها ستة أو سبعة، فإن نقص الدم عن أقل المدة أو زاد عن أكثرها فهو دم فساد، وأقل مدة النفاس لحظة وغالبها أربعون يوماً وأكثرها ستون وما زاد عليها فدم فساد أيضاً.
     (ويحرم) بالحيض والنفاس المباشرة فيما بين السرة والركبة من غير حائل، والمرور في المسجد إن خافت تنجيسه والصوم ومحرمات الجنابة السابقة، ويجب على الحائض والنفساء قضاء الصوم الفائت في الحيض والنفاس دون قضاء الصلاة الفائتة فيهما.

كتاب الصلاة
     فرض الله على هذه الأمة في كل يوم وليلة خمسة صلوات فقط، وهي: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ولا تجب إلا على المسلم البالغ العاقل والطاهر من الحيض والنفاس بعد دخول وقتها، ولكل صلاة منها وقت محدود.
     فوقت الظهر من زوال الشمس عن وسط السماء إلى أن يزيد ظل الشيء على مثله بعد ظل الاستواء.
     ووقت العصر من الزيادة على ظل المثل إلى غروب الشمس كلها
     ووقت المغرب من تمام غروب الشمس حتى يغيب الشفق الأحمر.
     ووقت العشاء من مغيب الشفق الأحمر حتى يطلع أول الفجر الصادق.
     ووقت الصبح من طلوع أول الفجر الصادق حتى يطلع أول الشمس. ولا قضاء على الكافرر إذا أسلم، إلا المرتد، ولا على المجنون والمغمى عليه والسكران بعد صحوهم إلا إذا تعدوا بذلك، ولا على الصغير إذا بلغ ويجب على الآباء والأمهات أن يأمروا أولادهم بالصلاة عند سبع سنين ويضربوهم على تركها عند عشر، والأفضل تعجيل الصلاة في أول وقتها، ويجوز تأخيرها عن أول الوقت ولو بلا عذر بشرط أن يعزم على فعلها قبل خروج الوقت، ومثل الصلاة في ذلك بقية الفروض الموسعة كالحج، ويجب على الشخص عند أول بلوغه أن يعزم على فعل جميع الواجبات والامتناع عن جميع المحرمات، ومن جحد وجوب الصلاة عليه من المتكلفين فهو كافر مرتد، ويقتل كفراً إن لم يرجع إلى الإسلام ولا يصلى عليه ولا يدفن في قبور المسلمين فإن لم يجحد وجوبها وأخرها عن وقتها بلا عذر فهو مؤمن فاسق لكنه يقتل بشروط مذكورة في المطولات، ولا تسقط الصلاة عن أحد ولو اشتد عليه المرض إلا إذا غاب عقله بغير تعمد منه ولا عذر له في تأخيرها في الحضر عن وقتها ولو تكاثرت عليه الاشغال إلا إذا نسي بغير لعب أو نام قبل دخول وقتها ولم يتنبه إلا بعد فواتها، وإذا فاتت شخصاً فريضة بغير عذر وجب عليه قضاؤها على الفور، فإن فاتته بعذر وجب عليه قضاؤها على التراخي والأفضل له المبادرة بقضائها.

باب شروط الصلاة
     الشروط لصحة الصلاة أربعة:
     (الأول) الطهارة عن الحدثين وعن النجاسة التي لا يعفى عنها في الجسد والملبوس والمكان
     (والثاني) ستر العورة من أعلى البدن وجوانبه للقادر عليه ولو صلى في الظلمة منفرداً عن الناس وعورة الذكر والأمة في الصلاة ما بين السرة والركبة لكن يجب عليهما ستر السرة والركبة أيضاً، وعورة الحرة الكاملة جميع بدنها إلا الوجه والكفين، ومن عجز عن ستر عورته في الصلاة صلى عارياً ولا إعادة عليه.
     (والثالث) دخول الوقت ولو بغلبة الظن في الصلاة المؤقتة كالفرض الأصلي وتوابعه ووجود السبب يقيناً في التي لها سبب كصلاة الخسوف فلا تصح صلاة مؤقتة حتى يدخل وقتها، ولا صلاة لها سبب حتى يوجد سببها يقيناً.
     (والرابع) استقبال عين الكعبة يقيناً في القرب وظناً في البعد إلا في نافلة السفر وصلاة شدة الخوف.

باب أركان الصلاة
     أركانها ثلاثة عشر:
     (الأول) النية مقرونة بجزء من تكبيرة الإحرام،
     (والثاني) القيام في الفرض للقادر عليه ومن عجز عن القيام صلى جالساً فإن عجز عن الجلوس اضطجع على جنبه واستقبل القبلة بوجهه ومقدم بدنه، ويكره أن يضطجع على الجنب الأيسر من غير عذر، فإن عجز عن الاضطجاع استلقى على ظهره، ويجب عليه أن يرفع رأسه بشيء ليستقبل القبلة بوجهه، وأن يجلس للركوع والسجود إن أمكنه ذلك، فإن عجز أشار برأسه، فإن عجز أشار بأجفانه، فإن عجز أجرى أركان الصلاة على قلبه وفي جميع ذلك لا ينقص من أجره شيء، ويجوز للقادر أن يصلي النفل قاعداً ومضطجعاً، لكن ثواب القاعد نصف ثواب القائم، وثواب المضطجع نصف ثواب القاعد.
     (والثالث) تكبيرة الإحرام ويتعين فيها الله أكبر فلا تصح بغير ذلك للقادر عليه والعاجز عنه يأتي بما قدر عليه ولو بغير العربية، والسنة عقب هذه التكبيرة أن يقرأ دعاء الافتتاح ثم يتعوّذ من الشيطان الرجيم.
     (والرابع) قراءة الفاتحة بالبمسلة في قيام كل ركعة والمسبوق يتحملها عنه الإمام إن كان أهلاً للتحمل، ويجب ترتيب الفاتحة وموالاتها وتجويد حروفها ومراعاة تشديداتها الأربع عشرة، ومن عجز عن الفاتحة قرأ بدلها سبع آيات من القرآن، فإن عجز عن القرآن أتى بسبعة أنواع من الذكر، فإن عجز عن الذكر وقف ساكتاً بقدرها ولا يترجم عنها، والسنة أن يقرأ سورة أو شيئاً من القرآن بعد الفاتحة في كل ركعة من الصلاة الثنائية وفي الركعتين الأولتين فقط من الثلاثية والرباعية.
     (والخامس) الركوع مقروناً بالطمأنينة حتى تستقر الأعضاء، والواجب فيه أن ينحني بعد الفاتحة حتى تصل كفاه إلى ركبتيه إن كان معتدل الخلقة، والسنة أن يسوي فيه ظهره وعنقه كصفيحة وينصب ساقيه ويأخذ ركبتيه بيديه مع تفريق أصابعهما ويقول فيه: سبحان ربي العظيم، وأدنى الكمال ثلاث مرات.
     (والسادس) الاعتدال مقروناً بالطمأنينة حتى تستقر الأعضاء، والواجب فيه أن يعود الرافع لما كان عليه قبله، والسنة أن يقول في حال رفعه من الركوع: سمع الله لمن حمده فإذا اعتدل قال؛ ربنا لك الحمد، وإن يقنت في اعتدال الركعة الأخيرة من الصبح كل يوم ومن الوتر في النصف الثاني من رمضان.
     (والسابع) السجود مرتين مقروناً بالطمأنينة، ويشترط فيه أن يسجد على جبهته مكشوفة وعلى ركبتيه وعلى جزء من بطون يديه وجزء من بطون أصابع قدميه، وأن يرفع أسافله على أعاليه، وأن يتثاقل برأسه حتى يحس بالثقل، والسنة أن يسجد على أنفه ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى وبحمده، وأدنى الكمال ثلاث وأن يكثر فيه من الدعاء.
     (والثامن) الجلوس بين السجدتين مقروناً بالطمأنينة، والسنة أن يقول فيه: رب اغفر لي وارحمني وارفعني واجبرني وارزقني واهدني وعافني واعف عني.
     (والتاسع) الجلوس الأخير الذي يسلم عقبه غالباً.
     (والعاشر) قراءة التشهد في هذا الجلوس وهو التحيات إلي وأشهد أن محمداً رسول الله.
     (والحادي عشر) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجلوس أيضاً بعد قراءة التشهد وأقلها اللهم صلِّ على محمد وأكملها مذكور في المطولات.
     (والثاني عشر) التسليمة الأولى والواجب فيه السلام عليكم، والسنة أن يزيد: ورحمة الله وأن يسلمها على اليمين وأن يسلم بعدها تسليمة ثانية على الشمال، وأن يلتفت مع كل تسليمة إلى جهتها.
     (والثالث عشر) ترتيب الأركان على هذا الوجه المذكور.
    
     (فصل): وسنن الفرائض ثنتان وعشرون ركعة: عشر، منها مؤكدات وهي ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء. وثنتا عشر غير مؤكدة وهي ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها زيادة على المؤكدات وأربع قبل العصر وركعتان قبل المغرب وركعتان قبل العشاء.
     (وأما الوتر) فهو سنة مستقلة وهو أفضل جميع السنن وأقله ركعة وأكثره إحدى عشرة وأدنى الكمال ثلاث ركعات، ولا يصح فعله إلا بعد صلاة العشاء، ويمتد وقته إلى طلوع الفجر الصادق، وإخراجه عن وقته بلا عذر مكروه وتركه بالكلية أشد كراهة.

     (فصل): والسنن المطلوبة في الصلاة نوعان: أبعاض وهيئات، فالأبعاض عشرون منها: القنوت والتشهد الأول في الفرض. والهيئآت كثيرة منها تسبيحات الركوع والسجود وتكبيرات الانتقالات ودعاء الافتتاح والتعوذ قبل الفاتحة والتأمين بعدها والسورة بعد التأمين والجهر والإسرار في محلهما، ومن ترك شيئاً من الأبعاض عمداً أو سهواً فالسنة له أن يسجد للسهو والهيئات لا يسجد لها وإن تركها عمداً، فلو سجد لتركها متعمداً للسجود بطلت صلاته، ومن شك قبل فراغ الصلاة في عدد ما صلاه من الركعات أو في شيء من أركان الصلاة وجب عليه أن يبني على اليقين ويأتي بما شك فيه، ويسن له أن يسجد للسهو أيضاً، وسجود السهو لا يزيد عن سجدتين ومحله قبل السلام، ولا يضر الشك بعد فراغ الصلاة في شيء من ذلك إلا في النية.

باب مفسدات الصلاة
     المفسدات إن قارنت تكبيرة الإحرام فلا تنعقد الصلاة معها وإن طرأت بعد الدخول في الصلاة أبطلتها وهي كثيرة، فمنها الكلام العمد ولو قليلاً، والفعل الكثير ولو سهواً، والحدث الأكبر أو الأصغر، وحدوث النجاسة التي لا يعفى عنها، والسلام عمداً في غير محله، وفعل شيء من الأركان الفعلية عمداً في غير محله، والردة والعياذ بالله تعالى، وانكشاف العورة للقادر على الستر وتغيـير النية والتحول عن القبلة بالصدر عمداً إلا في صلاة شدة الخوف ونافلة السفر.

باب صلاة الجماعة
     هي فرض كفاية على أهل البلد، ويجب عليهم إقامتها في محل ظاهر للناس لا يستحي أحد من دخوله، والسنة أن يصلي الشخص جماعة ولو مع أهل بيته، ويجب على المقتدي أن ينوي الجماعة أو الاقتداء، وأن يعلم أفعال الإمام وأن يتابعه فيها، وأن يجتمع معه في مكان واحد وأن لا يتقدم عليه فيه، وأن لا يتقدم عليه في الأفعال تقدماً فاحشاً ولا يتأخر عنه فيها كذلك، ولا تصح إمامة الأنثى إلا للنساء ولا إمامة الكافر ولا من لا يميز، ولا من يبدل حرفاً من الفاتحة بحرف آخر، والأفضل أن يكون الإمام فقيهاً عالماً بأحكام الصلاة والجماعة، وأن يكون من خيار الناس في الذات والنسب والصفات.

باب صلاة السفر
     يجوز قصر الصلاة الرباعية في السفر الطويل الجائز بشرط أن يقصد المسافر محلاً معلوماً، وأن ينوي القصر يقيناً مع تكبيرة الإحرام، وأن لا يقتدي بمن يتم صلاته، وأن لا ينتهي سفره قبل تمام الصلاة، ويجوز في السفر المذكور جمع التقديم والتأخير بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فقط. ولكل من الجمعين شروط. فشروط جمع التقديم أن ينوي الجمع في الصلاة الأولى ولو مع السلام منها، وأن يقدم صاحبة الوقت وهي الظهر أو المغرب، وأن تكون المتقدمة صحيحة يقيناً، وأن لا يفصل بينها وبين الثانية زمن يسع ركعتين، وأن يدوم السفر حتى يحرم بالثانية. ولجمع التأخير شرطان فقط: أن ينوي الجمع قبل خروج وقت الظهر أو المغرب، وأن يدوم السفر حتى يصلي الثانية كلها.

باب صلاة الجمعة
     لا تجب الجمعة إلا على أهل البلد المبنية ولو بالجريد أو القصب إذا كان فيهم أربعون من المسلمين الذكور البالغين العقلاء المستوطنين وسلموا من الأمراض وأعذار الجماعة، وتصح من المماليك والصبيان والنساء تبعاً لهؤلاء، وتجب أيضاً على كل مقيم في بلدتهم تبعاً لهم وإن لم يستوطن بها إذا كانت إقامته قاطعة للسفر. وشروط صحتها أن يتقدم عليها خطبتان بشروطهما، وأن تقع جماعة ولو في الركعة الأولى، ولا بد من نية الجماعة مع التحرم حتى في حق الإمام، وأن تفعل مع خطبتيها في وقت الظهر فلا يصح فعلهما قبله ولو خرج الوقت قبل تمامها تمموها ظهراً، وأن تكون واحدة في البلد إلا لعذر، والسنة أن يغتسل قبل الزوال من يريد حضورها، وأن يتنظف ويتطيب ويلبس الثياب البيض، وأن يقرأ الناس في يومها وليلتها سورة الكهف، وأن يكثروا فيها من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

باب صلاة العيدين والخسوف والاستسقاء
     كل واحدة من هذه الثلاث سنة مؤكدة لكل إنسان، والأفضل للنساء فعلها في البيوت وللرجال فعلها في المسجد إن وسع الناس وإلا في الصحراء ويصلي كل عيد ركعتين يكبِّر قبل القراءة في الأولى سبع تكبيرات غير تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمساً غير تكبيرة القيام، ويجب تعيـين عيد الفطر من عيد الأضحى في نية الصلاة، ويسن بعدها للجماعة خطبتان كخطبة الجمعة لكنه يكبر في أول الأولى تسع تكبيرات متوالية، وفي أول الثانية سبعاً كذلك، وأن يكبر الناس في عيد الفطر من غروب الشمس آخر يوم من رمضان إلى دخول الإمام في صلاة العيد، وفي عيد الأضحى من صباح يوم عرفة إلى الغروب آخر أيام التشريق، وأما الحجاج فيكبرون في الأضحى إذا تحللوا من إحرامهم، وأقل صلاة الكسوف أن تصلي ركعتين كسنة الظهر، وأكملها أن يجعل في كل ركعة قيامين يطيل القراءة فيهما وركوعين يطيل التسبيح فيهما ولا زيادة في السجود لكنه يطيل التسبيح فيه أيضاً، ويسن بعدها للجماعة خطبتان كخطبتي العيد لكنه يستغفر الله تعالى في أول الأولى منهما تسع مرات وفي أول الثانية سبعاً. وصلاة الاستسقاء تفعل عند حاجة الناس إلى السقيا من الله تعالى وهي كصلاة العيد، ويسن بعدها للجماعة خطبتان كخطبتيه إلا أن الخطيب يبدل التكبيرات بالاستغفار، ويتوجه للقبلة في أثناء الخطبة الثانية ويقلب رداءه ويجعل أعلاه أسفله ويمينه يساره، ويفعل الناس مثله وهم جالسون، ويدعو الله تعالى سراً وجهراً، ويؤمن الناس على دعائه إذا جهر، ويدعون لأنفسهم سراً عند إسراره، ويسن الغسل لكل من العيدين والكسوفين والاستسقاء.

كتاب الجنائز
     كل ميت من المسلمين يجب غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه إلا الشهيد في قتال الكفار، والسقط إذا نزل ميتاً قبل تمام أشهره فإنهما لا يغسلان ولا يصلى عليهما. وأقل غسل الميت تعميم جسده بالماء مرة واحدة بشرط أن تزول عنه الأوساخ التي تمنع وصول الماء إلى جسده بتلك المرة.
     (وأكمله) أن يجلسه الغاسل مائلاً إلى قفاه ويسند ظهره ويمر يده على بطنه ليخرج ما فيه من الأذى ثم يغسل سوأتيه بخرقة ملفوفة على يده اليسرى، ثم ينظف أسنانه ومنخريه وأذنيه بسبابته اليسرى ويلف عليها لكل مرة خرقة نظيفة أو نحوها، ثم يوضئه كالحي ثم يعمه بالماء ثلاث مرات، ويكون في المرة الأولى سدر أو نحوه، وفي الأخيرة قليل من كافور، ويبدأ في كل مرة من الثلاث بغسل رأسه والسنة تنشيفه بعد تمام غسله.
     ويكفن الميت فيما يجوز له في حياته لبسه من الثياب والأبيض أفضل من غيره والقديم المغسول أولى من الجديد. وأقل الكفن لفافة واحدة تستر جميع البدن إلا رأس المحرم ووجه المحرمة فيحرم سترهما. وأقله للذكر ثلاث لفائف ليس فيها قميص ولا عمامة، وللأنثى لفافتان وإزار وخمار وقميص، والسنة أن يوضع على منافذ الميت وأعضاء سجوده قطن، وأن يرش على جسده وعلى كل طبقة من طبقات الكفن وعلى القطن حنوط ويوضع مع الحنوط كافور، وأن تشد ألياه بخرقة وأن يشد الكفن بشداد وتحل الشداد عنه في القبر.
     والصلاة عليه ليس فيها ركوع ولا سجود. وأركانها أربع تكبيرات والنية مقرونة بالتكبيرة الأولى والقيام للقادر عليه، وقراءة الفاتحة في أي محل والأفضل أن تكون بعد التكبيرة الأولى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية، والدعاء للميت بأخروي بعد التكبيرة الثالثة. وأقله: اللهم اغفر له وارحمه. والتسليمة الأولى بعد التكبيرة الرابعة. والسنة أن يتعوّذ قبل الفاتحة وأن يطول الدعاء بعد الثالثة وأن يكون بالوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأن يقول بعد الرابعة وقبل السلام: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله وللمسلمين. وأقل الدفن أن يكون في حفرة تمنع ظهور رائحة الميت وتصون جسمه من أكل السباع. وأكمله أن يكون في لحد إن كانت الأرض قوية، وفي شق إن كانت رخوة، وأن يوسع ويعمق قدر قامة وبسطة، ويجب أن يضجع الميت في القبر على جنبه وأن يوجه للقبلة، والسنة أن يكون على الجنب الأيمن، وأن يرش قبره بماء بارد، وأن يلقن بعد دفنه إن كان مكلفاً، وأن يعزى أهله بعد موته إلى ثلاثة أيام، ولا يجوز دفن ميتين في قبر ولا نبش القبر قبل بلي الميت لدفن ميت آخر أو غيره إلا لضرورة.

كتاب الزكاة
     وأنواعها كثيرة. فمنها: زكاة الذهب والفضة وهي واجبة على من ملك عشرين مثقالاً من الذهب الخالص أو مائتي درهم من الفضة الخالصة وحال الحول وهي في ملكه ويخرج من ذلك ربع العشر وما زاد على ذلك فبحسابه. ومنها: زكاة التجارة وهي واجبة على من اتجر ولو في شيء حقير فيقوم بضاعته عند آخر الحول بما اشتريت به فإن بلغت به نصاباً زكاها بربع العشر من قيمتها وإلا فلا زكاة فيها، ثم إن ملك مال التجارة بعين نصاب من ذهب أو فضة أو بأقل من نصاب وفي ملكه تمامه فأول الحول من حين ملك النقد وإن ملك مالها بعروض قنية أو بذهب أو فضة أقل من نصاب وليس في ملكه تمامه فأول الحول يوم بدء التجارة.
     ومنها: زكاة الزروع والثمار فزكاة الزروع واجبة في القوت فقط كالحنطة والأرز والعدس. وزكاة الثمار واجبة في التمر والزبيب فقط. وتتعلق الزكاة بالحب إذا سنبل واشتد، وبالثمار إذا بدا صلاحها، لكن لا تخرج من كل منها إلا إذا بلغ نصاباً بعد القطع والتجفيف والتصفية. نصاب كل منها خمسة أوسق صافية، ثم إن سقيت بلا تعب زكيت بالعشر كاملاً وإن سقيت بتعب زكيت بنصف العشر. ومنها: زكاة الفطر وهي واجبة على من ملك شيئاً زائداً على مؤنته ومؤنة عياله ومماليكه ليلة العيد ويومه، ويخرج الشخص صاعاً عن نفسه وصاعاً عن كل من تلزمه مؤنته من المسلمين ولو كان رضيعاً، ويكون الصاع من غالب قوت أهل البلد في غالب السنة وقدره أربع حفنات. بكفي معتدل الخلقة ووزنه خمسة أرطال وثلث برطل بغداد.

كتاب الصيام
     لا يجب صوم رمضان إلا على المسلم البالغ العاقل القادر على الصوم الطاهر من الحيض والنفاس، وإذا تم شعبان ثلاثين يوماً أو رأى الهلال عدل وثبت عند القاضي وجب الصوم على عموم الناس فإن لم يثبت عنده وجب على الرائي وعلى من صدقه فقط.

     (فصل): وشروط صحة الصوم ستة: (الأول) الإسلام. (والثاني) التميـيز. (والثالث) النقاء من الحيض والنفاس جميع النهار (والرابع) النية وتصح نية صيام التطوع قبل الزوال بشرط أن لا يتعاطى مفطراً قبلها وقوعهما في الليل أفضل، ويجب في صيام الفريضة تعيـينه ووقوع نيته في جزء من الليل والأفضل وقوعها في الثلث الأخير. (والخامس) الإمساك عن المفطرات كلها من الفجر إلى الغروب. (والسادس) دخول الوقت أو وجود السبب في صوم الفريضة.

     (فصل): والمبطلات للصوم عشرة: (الأول) دخول شيء من أعيان الدنيا ولو قليلاً إلى الجوف عمداً إن دخل من أحد المنافذ المفتوحة. (الثاني) القيء عمداً وإن لم يرجع منه شيء إلى الجوف. (الثالث) الجماع عمداً ولو بغير إنزال (الرابع) خروج المني بتعمد الاستمناء أو المباشرة ولو بغير جماع كخروجه باللمس والمعانقة والقبلة بلا حائل.(الخامس) الجنون ولو لحظة يسيرة. (السادس) الإغماء من الفجر إلى الغروب.(السابع) الإفطار قبل أن يتحقق غروب الشمس أو يغلب على ظنه غروبها إذا لم يتبين له الحال. (الثامن) طرو الردة والعياذ بالله تعالى. (والتاسع) طرو الحيض أو النفاس. (العاشر) الولادة المصحوبة بالبلل، ومن أفطر عامداً في رمضان أو نسي فيه النية ليلاً وجب عليه الإمساك بقية النهار، وكذا من تبين له ثبوت رمضان أثناء يوم الشك.

     (فصل): لا يفطر الصائم بوصول شيء إلى جوفه من أعيان الجنة مطلقاً، ولا من أعيان الدنيا إن وصل إليه بغير الاختيار أو مع النسيان ولا بالجماع ولا بخروج المني كذلك ولا بالقيء قهراً إذا لم يرجع منه شيء إلى الجوف، ولا بالنخامة إذا جرت إلى جوفه قهراً عنه، ولا بالاكتحال والأدهان وإن وجد طعم الكحل والدهن في حلقه، ولا بدخول الذباب والبعوض وغبار الكنس والغربلة في جوفه وإن أمكنه أن يتجنب ذلك، ولا يبلع الريق الخالص من معدنه، ولا يسبق ماء المضمضة والاستنشاق إلى جوفه إذا لم يبالغ فيهما وكان السبق في واحدة من المرات الثلاث، ولا بالنوم وإن استغرق النهار كله، ولا بالإغماء إذا أفاق لحظة في النهار بشرط أن توجد منه النية في وقتها، ولا بالفصد والحجامة، ولا يصح صيام العيدين ولا يوم من أيام التشريق الثلاثة مطلقاً ولا صيام يوم الشك، ولا يوم من النصف الثاني من شعبان إلا إذا صام ذلك عن فريضة أو وافق عادة له أو وصل صومه بصوم شيء من النصف الأول ولو باليوم الخامس عشر. ويحرم على الصائم القبلة والمعانقة ونحوهما إن تحركت بذلك شهوته، ويسن له تعجيل الفطر وتأخير السحور والاغتسال عن الحدث الأكبر قبل الفجر والإفطار على التمر إن تيسر وإلا فعلى شيء حلو كذلك وإكثار الدعاء خصوصاً عند الإفطار، وإكثار القرآن والصدقة في رمضان.
     ويكره له الفصد والحجامة ومضغ العلك وذوق الطعام والمبالغة في المضمضة والاستنشاق والقبلة ونحوها إذا لم تتحرك بهما شهوته. وليصن نفسه عن الشهوات والغيبة والنميمة وكل قول أو فعل قبيح.

     (فصل): الطاعن في السن والمريض الذي لا يرجى له الشفاء إذا أفطرا في رمضان يلزم كلّاً منهما مد طعام لكل يوم ولا قضاء عليهما، ويجب على الحائض والنفساء الإفطار في رمضان وغيره، ويجوز في رمضان للمسافر إذا كان سفره طويلاً جائزاً ولو قدر على الصوم، والأفضل له أن يصوم إذا لم يحصل له مشقة، ولا يجوز للمريض إلا إذا حصلت له مشقة شديدة بالصوم، ويجوز للحامل والمرضع إذا خافتا في الصوم على أنفسهما أو على أولادهما، ويجب القضاء على هؤلاء كلهم، وإذا فات الصوم بغير عذر وجب قضاؤه على الفور، فإن فات بعذر وجب قضاؤه على التراخي وإلا فضل التعجيل.

     (فصل): من فاته صيام من رمضان بعذر ومات قبل أن يتمكن من قضائه فليس له تدارك، فإن مات بعد التمكن من القضاء فإما أن يصوم عنه وليه وإما أن يطعم عنه مداً لكل يوم، ومن لزمه قضاء شيء من رمضان وأخره بغير عذر حتى جاء رمضان الآخر وجب عليه مع القضاء لكل يوم مد من طعام، ويتكرر المد بتكرر السنين، وكذا يجب المد مع القضاء على الحامل والمرضع إذا أفطرتا للخوف على أولادهما فقط، ومن أفطر بالجماع في نهار رمضان يعزر وتجب عليه الكفارة العظمى وهي عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لكل منهم مد من طعام.

باب الاعتكاف سنة مؤكدة
     ولا يصح إلا في المسجد بالنية وأقله لحظة تزيد على طمأنينة الصلاة وتطلب المواظبة عليه كلما دخل المسجد خصوصاً في رمضان وفي العشر الأواخر منه أفضل لطلب ليلة القدر. ويبطله الجماع والسكر عمداً والكفر والجنون والحيض والنفاس والخروج من المسجد بلا عذر إلا إذا أطلقه في النية وخرج من المسجد عازماً على الرجوع له.

كتاب الحج والعمرة
     لا يجب كل منهما بأصل الشرع إلا مرة في العمر، حتى لو ارتد بعد فعلهما ثم عاد إلى الإسلام لم تجب إعادتهما. وشروط وجوبهما: الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والاستطاعة. وشروطهما أن يكون الشخص قادراً على جميع المؤن التي يحتاجها لنفسه والتي يتركها لعياله وأتباعه من خروجه من بلده حتى يرجع إليه، وعلى ركوب الدابة في ذهابه ورجوعه من غير مشقة شديدة، فإن شق عليه ركوبها فيشترط أن يقدر على الركوب في شق محمل مظلل إن تأذى بالحر أو البرد، فإن شق عليه ركوبه فيه فعلى سرير يحمله رجال، فإن شق عليه ركوبه أيضاً فلا يجب عليه الحج بنفسه بل يجب عليه أن يستأجر من يحج عنه إن قدر على ذلك، فإن وجد من يحج عنه بلا أجرة وجب عليه وأن يأذن له، ومن مات وقد لزمه حجة فرض جاز لكل أحد ولو كان أجنبياً وإن لم يأذن له الوارث أن يحجها عنه وإن لم يوص بها في حياته، ومثله من مات ولم يستطع حجة الإسلام في حياته، فإن مات بعد حجة الإسلام وليس عليه فرض توقف الحج عنه على إذنه فيه قبل موته، ولا يصح الحج عن الحي إلا إذا كان معضوباً وأذن فيه لمن يفعله عنه، ولا يصح إحرام الصغير المميز إلا بإذن وليه وغير المميز يحرم عنه وليه، ويحضره مواضع النسك كلها حتى عند رمي الجمار ويطهره ويتطهر معه للطواف ويطوف ويسعى به بعد أن يطوف ويسعى عن نفسه أو يأذن لمن يفعل به جميع ذلك، ويصح إحرام الرقيق البالغ ولو بغير إذن سيده، لكن له أن يحلله منه إذا أحرم به بغير إذنه، والأولى له حينئذٍ أن يأذن له في إتمام نسكه، ومثله في ذلك الزوجة ولو كان نسكها فرضاً إلا إذا تضيق عليها، ويسقط فرض الإسلام عن الحر البالغ العاقل ولو غير مستطيع.

باب
     أركان الحج ستة: نية الإحرام به والوقوف بعرفة وطواف الإفاضة والسعي والحلق أو التقصير وترتيب معظم الأركان. وهذه الأركان الستة أركان للعمرة إلا الوقوف بعرفة، ويجب فيها ترتيب جميع أركانها. وواجباته خمسة: الإحرام من الميقات والمبيت بمزدلفة والمبيت بمنى ليالي التشريق ورمي الجمرات وترك محرمات الإحرام.
     (وللعمرة) واجبان فقط: الإحرام من الميقات وترك محرمات الإحرام وما عدا هذه الأركان والواجبات فهو سنن، ولا يخرج الشخص من إحرامه حتى يتمم الأركان كلها، فلو مات وقد بقي عليه شعرة من الحلق لم يسقط الفرض إن كان ذلك النسك فرضاً، ومن ترك شيئاً من الواجبات ولو عمداً فنسكه صحيح ويلزمه بتركه دم ولا يلزمه شيء بترك السنن.

     (فصل): يسن لمريد الإحرام أن يتنظف قبل الإحرام بإزالة الأوساخ والأظفار وشعر الإبط والعانة ويغتسل للإحرام ويتطيب في بدنه فقط ويلبس إزاراً ورداء أبيضين إن كان ذكراً ويصلي ركعتي الإحرام ثم ينوي ويلبي، ويسن الإكثار من التلبية في دوام الإحرام.

     (فصل): ووقت الوقوف الزوال من يوم تاسع الحجة إلى طلوع الفجر يوم العاشر. والواجب فيه حضور المحرم بأرض عرفة لحظة من هذا الوقت ليلاً أو نهاراً، والأفضل الحضور بها نهاراً والبقاء فيها إلى الغروب. والسنة للمحرم أن لا يشتغل في دوام إحرامه إلا بما يقربه لمولاه عز وجل، وأن يصون نفسه حتى عن الكلام المباح الذي ليس فيه منفعة والمحافظة على ذلك يوم عرفة آكد.

     (فصل): وشروط الطواف الطهارة وستر العورة وابتداؤه بالحجر الأسود ومحاذاة الحجر بالشق الأيسر أول الطواف وآخره، ويجعل الطائف الكعبة على يساره مع المشي تلقاء وجهه، ويكون خارجاً بجميع بدنه عن جميع البيت والشاذروان وحجر إسماعيل ويطوف سبعاً يقيناً ولا يقصد غير الطواف بمشيه، ويكون الطواف داخل المسجد الحرام، ولا تجب في الطواف نية إلا إذا كان لغير مناسك. وسننه كثيرة منها استلام الحجر الأسود وتقبيله، واستلام الركن اليماني والمشي والحفاء فيه والرمل والاضطباع للذكر إذا أراد السعي بعده والدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه وصلاة ركعتين بعد تمامه وتجزىء ركعتان بعد أسابيع كثيرة والأفضل أن يصلي لكل أسبوع ركعتين.

     (فصل): وشروط السعي الابتداء بالصفا والختم بالمروة، وأن يقع سعي العمرة بعد طوافها وسعي الحج بعد طواف القدوم أو الإفاضة والأفضل فعله بعد طواف القدوم، وأن يكون الطواف صحيحاً وأن يسعى سبعاً يقيناً. وسننه كثيرة: منها الطهارة وستر العورة والصعود على درج الصفا والمروة والهرولة بين الميلين الأخضرين للذكور والدعاء وللذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه والموالاة بين مراته وبينه وبين الطواف.

     (فصل): والواجب في الحلق إزالة ثلاث شعرات من الرأس بأي كيفية، والأفضل للذكر أن يحلق رأسه كله بالموسى وللأنثى أن تقصر من جميع شعر رأسها بأن تجمعه كله وتأخذ من طرفه قدر أنملة إلا الذوائب، والسنة أن يستقبل الشخص القبلة حال الحلق أو التقصير، ويأتي بالتكبير والدعاء وذكر الله تعالى.
     (وأما الترتيب) فهو أن يتقدم الإحرام على الكل والوقوف على الحلق والطواف، وأما السعي فيجوز تقديمه على الوقوف إن فعله بعد طواف القدوم وليس بين الحلق والطواف ترتيب.

     (فصل): يصح الإحرام بالعمرة في أي وقت كان حتى في أشهر الحج، ولا يصح الإحرام بالحج وحده ولا بالحج والعمرة معاً إلا في أشهر الحج وهو شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة، فمن أحرم به قبل دخولها أو بعد خروجها انعقد إحرامه عمرة، ومن كان بمكة وأراد الحج وجب عليه أن يحرم به منهاقبل أن يفارق بنيانها، والأفضل أن يحرم من باب بيته أو من حجر إسماعيل، فإن أراد العمرة وجب عليه أن يخرج إلى أطراف الحل من أي جهة ويحرم منه وأفضل بقاعه الجعرانة ثم التنعيم ثم الحديبية، ومن جاء من الآفاق وجب عليه الإحرام من الميقات أو الذي يحاذيه.
     والمواقيت الشرعية خمسة: ذو الحليفة والجحفة ويلملم وقرن المنازل وذات عرق.

     (فصل): والواجب في مبيت مزدلفة الحضور فيها لحظة من النصف الثاني من ليلة النحر بعد الوقوف والسنة تقديم النساء والضعفاء إلى منى بعد نصف الليل قبل الزحمة، وأن يبيت الرجال الأقوياء إلى الفجر ثم يصلوا الصبح بها في أول الوقت، والأفضل أن تكون جماعة ومع الإمام ثم يقفوا على المشعر الحرام أو بقربه بعد صلاة الصبح مشتغلين بالاستغفار والدعاء إلى زيادة الاسفار، ثم يتوجهوا قبل طلوع الشمس إلى منى فيصلون إليها بعد طلوعها، والسنة أن يأخذ الحجاج من مزدلفة سبع حصيات لرمي جمرة العقبة يوم النحر فقط ويأخذوا من منى لرمي أيام التشريق، ويكره أخذ الجمار من الحل أو من محل نجس، فإذا وصلوا منى بعد ارتفاع الشمس يبدؤون برمي جمرة العقبة قبل كل شيء ثم يذبحون ضحاياهم أو هداياهم ثم يحلقون أو يقصرون، وبعد حط أمتعتهم واستقرارهم بمنى يتوجهون إلى مكة فيطوفون طواف الإفاضة ثم يرجعون إلى منى فيصلون الظهر بها في أول الوقت ويبيتون فيها ليالي أيام التشريق، وهذا المبيت واجب كما سبق، وأقله الحضور بمنى معظم كل ليلة من هذه الليالي، والأفضل مبيت كل ليلة بتمامها، ويسقط هذا المبيت ومبيت مزدلفة عن المعذورين كالرعاة وأهل السقاية.

     (فصل): شروط الرمي أن يكون باليد إن قدر على الرمي بها وأن يكون بالحجر ولو ياقوتاً وحجر حديد وأن يسمى رمياً وأن يقصد به المرمى وإن لم يقع فيه لقوة الرمي يقيناً، وأن يكون سبع رميات يقيناً إلى كل جمرة ولو بحصاة واحدة، وأن يبدأ في أيام التشريق بالجمرة التي من جهة عرفة ثم بالوسطى ويختم بجمرة العقبة، وأن يكون بعد دخول وقت الرمي، ويدخل وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر بانتصاف ليلته وأيام التشريق لا يدخل وقت رميها إلا بدخول وقت الظهر، ويبقى وقت الرمي كله أداء إلى غروب الشمس آخر أيام التشريق، فمن فاته رمي يوم من الأيام أتى به في بقيتها ليلاً أو نهاراً، لكنه يقدم رمي اليوم الفائت على رمي الحاضر، ويدخل وقت الحلق وطواف الإفاضة بنصف ليلة النحر ويستمر إلى آخر العمر، ويدخل وقت ذبح الضحية والهدي الذي ساقه المحرم بالحج إلى الحرم إذا طلعت الشمس يوم النحر ومضى قدر صلاة العيد وخطبتيه ويستمر إلى آخر أيام التشريق. ومن سنن الرمي أن يكون باليد اليمنى، وأن يكون الحصى قدر الباقلا وأن يغسله، وأن يكبر مع كل حصاة، وأن يستقبل القبلة حال الرمي في أيام التشريق، وأن يدعو الله تعالى مستقبل القبلة بعد رمي الجمرة الأولى والثانية.

     (فصل): طواف الوداع واجب على كل من سافر من مكة إلى وطنه أو إلى مسافة القصر أو إلى محل يريد أن يقيم فيه أربعة أيام صحاح، ويجب بتركه دم على غير المعذور، ويجب السفر عقبه فوراً، فإن تأخر بعده زمناً يسع ركعتين بطل وداعه إلا إن تأخر لدعاء بعد ركعتيه وعند شرب زمزم وفي الملتزم أو تأخر لشغل السفر كشراء الزاد وشد الرحال فلا يبطل وإن طال تأخره لذلك، ومثل ذلك ما لو قامت صلاة الجماعة بالفعل بعد فراغه فصلى معهم وانصرف فوراً، والسنة بعد ركعتيه أن يأتي الملتزم ويلصق به بطنه وصدره ويبسط يديه عليه ويضع خده الأيمن أو جبهته عليه ويدعو بما أحب، والأفضل أن يكون بالوارد عنه صلى الله عليه وسلم ثم يشرب من ماء زمزم ويتضلع منه ثم يعود إلى الحجر فيستلمه ويقبله ويسجد عليه ثلاثاً ثلاثاً ثم ينصرف تلقاء وجهه مستدبراً البيت إذا خرج من المسجد لا على ظهره ويخرج من باب الوداع، ويكره أن يقف على باب المسجد عند خروجه.

     (فصل): والمحرمات بالإحرام سبعة:
     (الأول) اللبس عمداً فيحرم على الذكر ستر رأسه ولبس المخيط في أي عضو من أعضائه، ويحرم على الأنثى ستر وجهها ولبس القفاز في يدها وتجب به الفدية.
     (الثاني) الدهن لشيء من شعر الرأس أو من شعور. الوجه عمداً ولو رأس شعرة واحدة بأي دهن وتجب به الفدية أيضاً.
     (الثالث) التطيب عمداً في أي جزء من ظاهر البدن أو باطنه أو في شيء من الملبوس بأي نوع من الأنواع التي يقصد منها غالباً رائحتها الطيبة كالمسك والزعفران والورد وتجب به الفدية أيضاً.
      (الرابع) الجماع ومقدماته كاللمس والتقبيل والمعانقة، ويحرم الجماع ولو بغير إنزال، ويفسد الحج به قبل التحلل الأول والعمرة قبل فراغ أعمالها وتجب بالجماع المفسد بدنة، فإن عجز عنها فبقرة، فإن عجز عنها فسبع من الغنم، فإن عجز قوم البدنة بسعر مكة وأخرج طعاماً بقيمتها، فإن عجز صام عن كل مد يوماً، ولا تجب فدية بالمقدمات إلا المباشرة بشهوة من غير حائل وفديتها وفدية الجماع غير المفسد شاة مخيرة كما سيأتي.
     (الخامس) عقد النكاح فيحرم نكاح المحرم ولا ينعقد لنفسه ولا لغيره لا بالوكالة ولا بالولاية ولو كانت عامة.
     (السادس) إزالة شيء من الشعر أو من الأظفار بأي طريق من طرق الإزالة، وتجب بكل منهما فدية مستقلة ولو مع النسيان، ولا تجب الفدية الكاملة إلا في ثلاث شعرات أو ثلاثة أظفار في زمان ومكان واحد، فإن تعدد الزمان أو المكان وجب في كل شعرة وكل ظفر مد طعام ولو كثرت الشعور والأظفار.
     (السابع) التعرض لشيء من صيود البر الوحشية المأكولة ولو خارج أرض الحرم ولا يجب الجزاء فيها إلا بالإتلاف ولو مع النسيان وتجب المماثلة في ضمانها فلا تجزىء البدنة عن الذي وجبت فيه شاة.
     (ويحرم) على الحلال صيد حرم مكة والمدينة ووج الطائف وكذا شجرها مطلقاً ونباتها الذي من شأنه أن ينبت بنفسه ولا جزاء لشيء من ذلك إلا في حرم مكة خاصة، ولا يدخل جزاء الشعور في جزاء الأظافير، ولا جزاء الصيد في جزاء الشجر والنبات ولا العكس.
     (ويحرم) نقل شيء من تراب الحرم وأحجاره ولو للتبرك وإن نقله لحرم آخر ويجب رده لمحله، ويكره نقل ذلك من الحل إلى الحرم.
     (ولا يحل) لأحد أن يتملك لقطة حرم مكة أبداً ولو كانت حقيرة بل يحفظها إلى وجود صاحبها ولقطة عرفة وحرم المدينة كلقطة غيرهما من بقية البقاع.
     (وإذا كان) للصيد مثل من الأنعام كالنعام وبقر الوحش والحمام فالواجب فيه إما ذبح مثله وتفرقته وإما إخراج طعام بقدر قيمته، وإما صيام يوم عن كل مد وإن لم يكن له مثل كالعصافير فالواجب فيه إما إخراج طعام بقيمته وإما صيام يوم عن كل مد، وهذه المحرمات كلها تحل للمحرم بعد التحلل الأول إلا الجماع ومقدماته وعقد النكاح فلا تحل إلا بعد التحلل الثاني.

     (فصل): وإذا منع المحرم من إتمام أركان النسك الذي أحرم به جاز له أن يتحلل فيذبح شاة وينوي التحلل عند ذبحها ثم يزيل ثلاث شعرات من رأسه وينوي التحلل عند إزالتها، فإن عجز عن الذبح أخرج طعاماً بقيمة الشاة ونوى التحلل عند إخراجه، ويقدم إخراج الطعام على إزالة الشعر، فإن عجز عن الطعام صام عن كل مد يوماً وتحلل بإزالة الشعر مع النية، ولا يتوقف التحلل على الصيام ولا يلزمه قضاء ما تحلل منه بل يبقى في ذمته كما كان قبل الإحرام به، ومن طلع عليه الفجر يوم النحر وهو محرم بالحج ولم يدرك عرفة فقد فاته الحج ووجب عليه أن يتحلل بعمل عمرة ويلزه قضاء الفائت في السنة القابلة ويلزمه ذبح شاة في سنة القضاء.

     (فصل): ومن ترك شيئاً من الواجبات أو فعل شيئاً من المحرمات لزمه دم (والدماء) في الحج والعمرة أربعة أقسام: مرتب مقدر، ومرتب معدل، ومخير مقدر، ومخير معدل. (فالمرتب) هو الذي لا يصح الانتقال عنه إلى بدله إلا عند العجز عنه. (والمخير) بعكسه (والمعدل) هو الذي ينتقل عنه إلى شيء آخر بقيمته. (والمقدر) هو الذي ينتقل عنه إلى شيء لا يزيد ولا ينقص.
     (وأسباب المرتب المقدر) تسعة: التمتع والقران وفوات الحج وترك الإحرام من الميقات وترك مبيت مزدلفة ومبيت منى وترك رمي الجمار وترك طواف الوداع، وكل سنة في النسك نذرها الشخص على نفسه وخالف نذره كأن نذر الحلق فقصر أو المشي فركب. (وفي) كل واحدة من هذه التسعة شاة فإن عجز عنها فصوم عشرة أيام ثلاثة في الحج إن أمكن صومها فيه وسبعة إذا رجع لوطنه.
     (وللمرتب) المعدل سببان: الجماع المفسد والإحصار وهو المنع من إتمام أركان النسك، وقد تقدم ما يجب عند العجز عن البدنة في الجماع وعند العجز عن الشاة في الإحصار.
     (وأسباب المخير المقدر ثمانية) إزالة الشعر والأظفار واللبس والدهن والتطيب ومقدمات الجماع والوطء بين التحللين وبعد الجماع المفسد وقبل تمام المفسد. (وفي كل واحد) من هذه الثمانية يتخير الشخص بين ذبح شاة أو التصدق بثلاثة صيعان على ستة مساكين لكل مسكين منهم نصف صاع أو صوم ثلاثة أيام.
     (وللمخير المعدل) سببان فقط: إتلاف الصيد والشجر وقد تقدم الواجب في الصيد ومثله الواجب في الشجر، ولا يصح ذبح هذه الدماء كلها ولا تفرقتها ولا تفرقة الطعام بدلها إلا في الحرم، ويستثنى منها دم الإحصار فيذبح في مكان الإحصار ويفرق هو أو بدله فيه، ولا يصح نقله عنه إلا إلى الحرم.

باب الضحية والعقيقة
     الضحية سنة مؤكدة في جميع الجهات، ويزيد تأكدها في حق الحجاج بمنى، ويدخل وقتها إذا طلعت الشمس ومضى زمن يسع صلاة العيد وخطبتيه ويستمر أداء إلى غروب الشمس آخر أيام التشريق الثلاثة، فمن ذبح ضحيته قبل دخول وقتها لم تقع له ضحية، وكذا من ذبحها بعد خروج وقتها إلا إذا نذر ضحية معينة أو ضحية في ذمته ثم عين المنذور وأخر الذبح حتى خرج الوقت فإنه يلزمه بعده ويكون قضاء، ويحرم تأخير ذبح الواجبة عن وقتها بلا عذر.
     (ولا تصح التضحية) إلا بالأنعام وأفضلها بعير ثم بقرة ثم شاة وسبع شياه أفضل من بعير والضأن أفضل من المعز، وتصح بالذكر والأنثى إلا إن كانت حبلى والذكر أفضل، فإن كثر نزوانه فالأنثى التي لم تلد أفضل منه، والمجزىء من الإبل ما تم له خمس سنين ودخل في السادسة، ومن البقر والمعز ما تم له سنتان ودخل في الثالثة، ومن الضأن ما تم له سنة أو أسقط ثناياه بعد ستة أشهر، ولا يجزىء ما فيه جرب ولو يسيراً، ولا ما فيه هزال أو عرج أو عور أو مرض بيِّن وما انفصل منه جزء مأكول ولو يسيراً إلا الخصي
     (ويحرم) الأكل من الضحية الواجبة ويجب التصدق بها كلها، والسنة أن يأكل من الضحية المسنونة والأفضل الأكل من كبدها، ويجب التصدق بجزء من لحمها نيأ، والأفضل التصدق بها كلها إلا لقماً يتبرك بأكلها، ومن لم يفعل تصدق بثلثها وأهدى ثلثها وأكل ثلثها، والسنة أن يذبحها الرجل بنفسه وأن يحضر الذبح من لم يذبح بنفسه ويسمي ويكبر الله تعالى عند الذبح ويصلي ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم.

     (فصل): والعقيقة سنة مؤكدة ويدخل وقتها بانفصال الولد والأفضل ذبحها يوم سابعه ولا يجزىء فيها ما لا يجزىء في الضحية وأقلها شاة عن كل مولود، والأفضل ذبح شاتين عن الذكر وشاة عن الأنثى ويطبخها بحلو ولا يكسر عظمها بقدر الإمكان وبعثها للفقراء في أماكنهم أحب من ندائهم إليها، والمخاطب بها من تلزمه نفقة المولود إن أيسر بها قبل مضي ستين يوماً من الولادة، ويستمر طلبها منه حينئذٍ إلى بلوغ المولود فإن لم يوسر بها إلا بعد مضى الستين لم تطلب منه بل لو فعلها حينئذٍ وقعت شاة لحم لا عقيقة وحيث طلبت منه لا يفعلها إلا من مال نفسه ولو كان المولود غنياً، ومن بلغ ولم يعق عنه له أن يعق عن نفسه، والسنة أن يؤذن حين الولادة في أذن المولود اليمنى، وتقام الصلاة في أذنه اليسرى، وأن يحنكه حينئذٍ شخص من أهل الخير بشيء حلو كتمر، وأن يحلق رأسه ولو أنثى، ويتصدق بوزن شعره ذهباً أو فضة، ويسمى باسم من الأسماء الحسنة، والأفضل أن يكون الحلق والتصدق والتسمية يوم السابع، وأفضل الأسماء محمد فعبد الله فعبد الرحمن، والتسمية بملك الملوك وقاضي القضاة وعبد النبي حرام، وبالأسماء القبيحة كشهاب ومرة مكروهة.

كتاب اليمين والنذر
     لا ينعقد كل منهما إلا من البالغ العاقل المختار وبشرط أن يتلفظ به ويسمع نفسه، ولا ينعقد اليمين إلا باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته الخاصة به كقوله: والله أو وقدرة الله أو ورب الكعبة، والحالف بالمخلوق كالنبي والكعبة حرام، ويكفر به الحالف إن قصد تعظيمه كتعظيم الله، فإن لم يقصد ذلك فهو مكروه فقط، وينبغي للشخص أن يصون نفسه عن اليمين ولو كان صادقاً، ومن حلف على ترك شيء من الفروض كالصلوات الخمس أو على فعل حرام كقطع الرحم عصى ولزمه أن يحنث في يمينه ويكفر، أو على ترك سنة كقضاء الحوائج أو فعل مكروه كشرب التنباك فالسنة أن يحنث ويكفر، أو على فعل مباح أو تركه كأكل الطعام واللبس ودخول الدار فالأفضل له أن لا يحنث في يمينه.
     (وكفارة اليمين) عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المخلة بالعمل أو إطعام عشرة مساكين لكل واحد منهم مد من غالب قوت البلد أو كسوتهم ولو بمنديل يعطى لكل واحد منهم، ويتخير الشخص بين هذه الثلاثة ولو كان غنياً، فإن عجز عنها لزم صيام ثلاثة أيام.

     (فصل): والنذر قسمان: منجز ومعلق فالمنجز كقول الناذر: لله علي كذا أو نذرت لله كذا، ويلزمه الوفاء، بما نذره حالاً. والمعلق قسمان: قسم معلق على حصول نعمة أو اندفاع نقمة كقوله: إن شفاني الله أو إن سلمني من كذا فلله علي كذا فإذا وجد المعلق عليه لزمه الوفاء بالمنذور حالاً. وقسم معلق على فعل شيء أو تركه كقوله: إن دخلت الدار أو إن لم أكلم زيداً علي كذا فإذا وجد المعلق عليه وجب على الناذر الوفاء بالمنذور أو كفارة يمين وهو مخير بينهما، ولا ينعقد نذر الحرام كقتل النفس بغير حق وصيام العيدين، ولا نذر المكروه كالصلاة في المقبرة والحمام والنذر لأحد أبويه أو أحد أولاده، وكذا نذر المباح كالأكل واللبس والنوم ولا كفارة فيه.
     (تتمة): زيارة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سنة مؤكدة لكل أحد، وتتأكد للحجاج أكثر، وتركها مع التمكن منها حسرة عظيمة وحرمان من خير كثير، وإنكارها ضلال كبير وخسران مبين، والأفضل للحجاج تقديمها على الحج إن كان الوقت واسعاً يمكن فيه تحصيل الحج بعدها.
     (ويستحب) لقاصد الزيارة أن يكثر في طريقه من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم. وأن يزيد من ذلك إذا رأى حرم المدينة وأشجارها، وأن يغتسل عند وصول المدينة قبل دخولها، فإن لم يتمكن فبعد دخولها وقبل دخول المسجد، وأن يلبس أنظف ثيابه ويتطيب والثياب البيض أفضل من غيرها، وأن يدخل المسجد من باب جبريل، فإذا دخله قصد الروضة الشريفة وهي ما بين القبر والمنبر وصلى تحية المسجد فيها، والأفضل أن يصلي في مصلاه صلى الله عليه وسلم فإن لم يتيسر فيقربه من جهة المنبر الشريف، فإذا فرغ من الصلاة حمد الله تعالى وسأله أن ينفعه بهذه الزيارة ويتقبلها منه ودعا بما أحب لنفسه ولمن يحب وللمسلمين، ثم يتوجه إلى المواجهة للزيارة فيقف قبالة الوجه الشريف، ولذلك علامة معروفة هناك فيستدبر القبلة ويستقبل الوجه الشريف بخشوع وخضوع وأدب فارغ القلب من علائق الدنيا ناظراً إلى أسفل ما يستقبله، ويسلم على أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم بصوت يسمعه الملاصق له من غير تشويش، وأقله السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن شاء فليطول ثم يتأخر جهة يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم يتأخر جهة يمينه قدر ذراع أيضاً فيسلم على عمر الفاروق ابن الخطاب رضي الله عنه، ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة الوجه الشريف ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ثم ينتقل إلى جهة رأس القبر الشريف ويستقبل القبلة فيكون القبر الشريف عن شماله ويدعو بما أحب لنفسه ولأحبابه وللمسلمين، وهكذا يفعل كلما أراد الزيارة، وينبغي له لزوم الأدب مدة إقامته بالمدينة، وأن يحافظ على الاعتكاف في مسجده صلى الله عليه وسلم كلما دخله، وعلى الصلاة فيه خصوصاً مع الجماعة، وأن يكثر من الصوم والصدقة وتلاوة القرآن وأنواع العبادة، وأن يزور أهل البقيع خصوصاً يوم الجمعة والشهداء بأحد وأفضله يوم الخميس، ومسجد قباء وأفضله يوم السبت، وبقية المشاهد بالمدينة وهي مشهورة هناك، فإذا أراد السفر ودع المسجد الشريف وفعل مثل ما فعل أول الدخول، وسأل الله تعالى أن لا يجعل هذا آخر العهد بزيارة هذا النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم.

     (خاتمة): ينبغي لكل شخص أن يقصد بجميع أعماله وجه الله تعالى فقط حتى يكون من المخلصين وإلا فهو من أهل الرياء الذين يلعب بهم الشيطان ولا يجدون لأعمالهم ثواباً يوم القيامة، وأن يحسن المعاملة مع جميع الخلق في جميع أمور الدنيا والدين ليكون سليم العاقبة إذا لقي الله تعالى، وأن يدوم على الوضوء ما استطاع، ويكثر من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن في جميع الأوقات خصوصاً أول النهار وآخره، وأول الليل وآخره، وأن يكثر من صلاة النافلة والاستغفار خصوصاً آخر الليل، ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً يوم الجمعة وليلتها، ومن الدعاء خصوصاً في الأسفار ومجامع الخير وعند شدة الكرب، ومن الصيام خصوصاً في الأيام الفاضلة كالأشهر الحرم ويوم عاشوراء وعشر ذي الحجة والاثنين والخميس، وأن يجعل الخوف من الله تعالى نصب عينيه على الدوام فإنه سبب لتحصيل كل خير والبعد عن كل سوء، ولا يـيأس من رحمة الله فإن اليأس من الكبائر، وأن يتوب توبة صحيحة كلما وقع منه ذنب فإنه تعالى يحب التوابين، وأن يلازم تقوى الله تعالى في جميع أحواله الظاهرة والباطنة فإن الله يحب المتقين، وأن يبعد عن أذية الخلق وعن التسبب فيها بغير حق، وأن يخلص نفسه ما استطاع من حقوق الله تعالى وحقوق الخلق قبل خروجه من الدنيا ولو بالمسامحة من أهلها، وليوص بذلك إذا لم يتمكن منه في حياته، وليكن حريصاً على البعد من معاصي الله تعالى كالكذب وشهادة الزور والأيمان الفاجرة والخوض في أعراض الناس والإفساد فيما بينهم الحسد وغير ذلك، وليواظب على طاعة مولاه ويشغل بها أوقاته مدة حياته فعسى أن يأتيه الموت وهو على حالة مرضية فيلقى الله تعالى وهو راض عنه.
     (نسأله) سبحانه وتعالى ونتوسل إليه بجاه أكرم خلقه عليه أن يعاملنا برضاه عنا في الدنيا والآخرة خصوصاً عند قبض أرواحنا، وفي قبورنا يوم الفزع الأكبر، ومع أصولنا وفروعنا وحواشينا وأشياخنا وأحبتنا، والمسلمين الأحياء منهم والميتين، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، والحمد لله رب العالمين حمداً يوافي نعمه ويكافي مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل سيدنا محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأهل بيته، كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.


3 comments:

Copyright © 2013. BloggerSpice.com - All Rights Reserved
Customized by: MohammadFazle Rabbi | Powered by: BS
Designed by: Endang Munawar