فصائل اللغات وخواص كل فصيلة منها وما بينها من صلات



فصائل اللغات
وخواص كل فصيلة منها وما بينها من صلات
‌أ)       أشهر الآراء في فصائل اللغات
حاول كثير من علماء اللغة أن يرجع اللغات الإنسانية -بعد أن تَمَّ تفرعها تحت تأثير العوامل السابق ذكرها في الفصل السابق- إلى فصائل عامة, وقد اختلفت وجهات نظرهم بهذا الصدد اختلافًا كبيرًا.
فبعضهم نظر إلى الموضوع من ناحية التطور والارتقاء، فقسَّم اللغات الإنسانية إلى ثلاث فصائل تختلف أفراد كلٍّ منها عما عداها في درجة رقيها، وتمثل كل منها مرحلة خاصة من المراحل التي اجتازها الكلام الإنساني في سبيل تطوره.

وأشهر نظرية بهذا الصدد هي نظرية شليجيل التي تقسّم اللغات من هذه الناحية إلى ثلاث فصائل: "اللغات غير المتصرفة أو العازلة", "وتشمل الصينية والسامية والبرمانية والتبتية ... إلخ"، و"اللغات اللصقية أو الوصلية" "وتشمل التركية والمنغولية والمنشورية واليابانية ولغات الباسك ... إلخ"، و"اللغات المتصرفة أو التحليلية" "وتشمل الفارسية والهندية واللاتينية والإغريقية والجرمانية والعربية والعبرية ... إلخ"
وقد شرحنا في الباب الأول هذه النظرية وناقشناها، فظهر لنا فسادها من عدة وجوه، وتبين أن الأساليب الثلاثة التي تقسّم على أساسها اللغات الإنسانية إلى فصائل: "العزل واللصق والتصرف"، توجد مجتمعة في كل لغة إنسانية، فلا نكاد نعثر على لغة عارية عن أسلوب منها.
وبعضهم قطع النظر عن موضوع التطور والارتقاء، وقسّم اللغات الإنسانية إلى فصائل يجمع أفراد كل فصيلة منها صلات قرابة لغوية؛ فتتفق في أصول الكلمات, وقواعد البنية, وتركيب الجمل ... وما إلى ذلك, ويتكون من الأمم الناطقة بها مجموعة إنسانية متميزة، ترجع إلى أصول شعبية واحدة أو متقاربة, وتؤلف بينها طائفة من الروابط الجغرافية والتاريخية والاجتماعية.
وأشهر نظرية قسمت اللغات على هذه الأسس هي نظرية مكس مولر Max Muler, التي ترجع جميع اللغات الإنسانية إلى ثلاث فصائل: الفصيلة الهندية-الأوربية، والفصيلة السامية-الحامية، والفصيلة الطورانية2 وسنتكلم على كل فصيلة منها على حدة فيما يلي:
‌ب)   الفصيلة الأولى: الهندية الأوربية   Langues lndo-Europeennes
تشمل هذه الفصيلة ثمان طوائف من اللغات، وهي:
1.    اللغات الهندية-الإيرانية"، أو"اللغات الآرية" وتشمل شعبتين:
إحداهما شعبة اللغات الهندية "السنسكريتية Sanskrit البراكريتية Prakrit، اللغات الهندية الحديثة Langues Neo-lndouesإلخ".
والأخرى شعبة اللغات الإيرانية "الفارسية القديمة Vieux perse والأفستية, والزند أفستية Avestique et zend-Avestique,  وهي لغة الأسفار المقدسة المسماة الأفستا "الأبستاق", وشروحها المسماة الزند -أفستا، والبهلوية Pehlvi، والفارسية الحديثة Neo-Persan، والكردية Kurde، والأسيتية Ossete، وهي لغة الأسيتيين Ossetes, وهم سكان القوقاز الأوسط، والأفغانية أو البشتو ... وهلم جرا".
2.   اللغات الأرمنية    Langues Armeniennes
3.    "اللغات الإغريقية"، وتشمل اللغات اليونانية القديمة، وأشهر هذه اللغات: اليونية-الأتيكية، والدورية. وتشمل كذلك اللغات اليونانية التي تكونت في القرون السابقة للميلاد, وقامت على أنقاض اللغات اليونانية القديمة، واشتهرت عند علماء اللغة باسم: "اليونانية الحديثة". وتشمل كذلك اللغات اليونانية في العصر الحاضر.
4.    الألبانية.
5.    اللغات الإيطالية" "وتشمل الأسكية Osque ، والأمبرية-السمنية Ombrien-Samnite واللاتينية، واللغات الرومانية Langues Romanes, وهي المتفرعة من اللاتينية؛ كالفرنسية والبرتغالية والإيطالية والأسبانية ولغة رومانيا ... إلخ.
6.    اللغات السلتية" أو "الكتية" Langues Celtiques "التي كانت لغات شعوب السلت أو الكلت Les Celtes. وقد طغت عليها الآن اللغات الفرنسية والإنجليزية والأسبانية، ولكن بقي بعض أشكال منها في كثير من اللهجات المحلية بإيرلندا وويلز ومنطقة البريتون Bretagne بغرب فرنسا.
7.    اللغات الجرمانية" Langues Germaniques وتشمل ثلاث شعب:
أولاها: شعبة اللغات الجرمانية الشرقية, وهي اللغة الجوتية Gotheque "وهي لغة قبائل الجوث Goths وهو شعب قديم كان يسكن جرمانيا الشرقية.
وثانيتها: شعبة اللغات الجرمانية الشمالية، وهي لغات أيسلندا والدانيمرك والسويد والنرويج.
وثالثها: شعبة اللغات الجرمانية الغربية، وتشمل الإنجليزية-السكسونية، والإنجليزية الحديثة، والهولاندية، واللغات الفلامندية "لغة مقاطعة الفلاندر ببلجيكا, ويتألف من هذه اللغة مع اللغة الهولندية فرغ لغوي واحد يسمى فرع اللغات النئر لاندية"، واللغات الألمانية ... إلخ.
8.    اللغات البلطيقية السلافية" وتشمل شعبتين:
إحداهما: شعبة اللغات البلطيقية, وهي الليتوانية Lituanienne "لغة ليتوانيا Lituanie" والليتونية Lette "لغة ليتونيا Lettonie أو لاتقيا Latvia" والبروسية القديمة .
والأخرى شعبة اللغات السلافية أو الصقلية, وهي السلاقية القديمة، والروسية، والبولونية، والتشيكية، والسربية -الكرواتية والبلغارية الحديثة.
ومن هذا يظهر أن اللغات الهندية-الأوربية هي أكثر اللغات الإنسانية انتشارًا؛ إذ يتكلم بها الآن جميع سكان أوربا والأمريكتين وأستراليا وجنوب أفريقيا, ما عدا بعض جماعات قليلة بأوروبا تتكلم البسكية أو الفينية أو المجرية أو التركية ... وما إلى ذلك، وما عدا السكان الأصليين للأمريكتين وأستراليا وجنوب أفريقيا الذين انقرض معظمهم ولم يبق منهم الآن إلّا عدد يسير آخذ في الانقراض، ويتكلم بها كذلك قسم كبير من سكان آسيا "الهند، فارس، أفغانستان، الكردستان، القوقاز الأوسط، أرمينيا ... إلخ"
والشعوب الناطقة بهذه الفصيلة هي أرقى الشعوب حضارة في العصر الحاضر، وأعظمها نشاطًا، وأكبرها شأنًا، وأكثرها إنتاجًا في مختلف فروع الحياة، وأجلَّها أثرًا في الحضارة الإنسانية الحديثة.
ويرجع الفضل في انتشار هذه الفصيلة إلى عوامل كثيرة أهمها الغزو والاستعمار, فعلى أثر غزو الآريين للهند انتشرت لغاتهم في هذه البلاد, وقضت على لغات السكان الأصليين -لم يبق من هذه اللغات إلّا آثار ضئيلة, سنعرض لها في أثناء كلامنا في الفصيلة الثالثة، وعلى أثر استعمار الأوربيين للأمريكتين وأستراليا وجنوب أفريقيا انتقلت إلى هذه المناطق اللغات الإنجليزية والأسبانية والفرنسية والبرتغالية.
أما المواطن الأول لهذه الفصيلة فلا نكاد نعرف شيئًا يقينيًّا عنه، وقد ذهب العلماء بصدده مذاهب كثيرة تعتمد في معظم نواحيها على الحدس والتخمين, وفي نواحٍ أخرى على حجج ضعيفة لا يطمئن إلى مثلها التحقيق العلمي؛ فمن قائلٍ أنها نشأت بأوربا الشرقية بالمناطق الروسية؛ ومن قائلٍ أنها نشأت بمناطق بحر البلطيق.
وتمتاز هذه الفصيلة بكثرة شعبها واتساع هوة الخلاف بين أفرادها, فقد انقسمت إلى الطوائف الثمان السابق ذكرها، وانقسمت كل طائفة من هذه الطوائف إلى شعب، وكل شعبة إلى عدد كبير من اللغات، وسلكت كل لغة من هذه اللغات في ارتقائها سبيلًا يختلف عن سبيل غيرها، فكثرت وجوه الخلاف بينها، وتضاءلت وجوه الشبه، حتى أن بعضها ليبدو غريبًا عن بعض، ولا تظهر صلة قرابته به إلّا بعد تأمل عميق.
ويرجع السبب في هذا إلى عوامل كثيرة؛ أهمها اختلاف البيئات التي انتشرت فيها هذه الفصيلة, واختلاف الشئون الاجتماعية التي اكتنفت الناطقين بكل شبعه منها.
وقد ترتب كذلك على هذه العوامل أن اختلفت كل لغة منها عما عداها في درجة رقيها ومبلغ بعدها عن أصولها الأولى؛ فمنها ما يزال جامدًا على خصائصه القديمة، ومنها ما قطع في زمن يسير مرحلة واسعة في طريق الارتقاء، ومنها ما سار في هذه السبيل بخطًى متئدة بطيئة؛ فانتشار الشعبة الإيرانية مثلًا في مناطق عريقة في الحضارة، وتأثرها باللغات التي كانت سائدة في هذه المناطق ... كل ذلك وما إليه قد ذلل



لها وسائل الارتقاء، فسارت في هذه السبيل بخطًى حثيثة, حتى وصلت في أوائل القرن الأول الميلادي إلى شأوٍ لم تبلغ مثله اللغات الأوروبية إلّا حوالي القرن العاشر, على حين أن انتشار اللغة الليتوانية مثلًا في منطقة زراعية ضيقة تغلب على أهلها صفة المحافظة على القديم، وبقاء هذه المنطقة بمعزلٍ عن تيارات الحضارة وعن المؤثرات الخارجية ... كل أولئك قد عاق تقدم هذه اللغة، فظلَّت محتفظة بكثير من الأشكال الأولى لفصيلتها.
وسنتكلم بتفصيل على هذه الأمور وما يتصل بها في الفصول التالية من الكتاب1.

1 انظر الفصل الرابع والفصول التالية له.





- 3الفصيلة الثانية: الحامية - السامية:
Langues Chamitw-Semitiqes
وتشمل هذه الفصيلة مجموعتين من اللغات: إحداهما مجموعة اللغات السامية، وثانيتهما مجموعة اللغات الحامية.
أما مجموعة اللغات السامية، فتنتظم طائفتين:
1-
اللغات السامية الشمالية, وتشمل اللغات الأكادية Accadien, أو الآشورية البابلية2 ssyro-Babyloiennes، واللغات الكنغانية -العبرية والفينيقية-3، واللغات الآرامية4.
2-
اللغات السامية الجنوبية وتشمل العربية5 واليمنية

1 نظر تفصيل القول في اللغات الأكاديمية في الفصل الأول من كتابنا "فقة اللغة".
2
نظر تفصيل القول في اللغات الكنعانية في الفصل الثاني من كتابنا "فقه اللغة".
3
نظر تفصيل القول في اللغات الآرامية في الفصل الثالث من كتابنا "فقه اللغة".
4
نظر تفصيل القول في اللغات في اللغة العربية في الفصل السادس من كتابنا "فقه اللغة".



القديمة1, واللغات الحبشية السامية2.
وأما مجموعة اللغات الحامية فتنتظم ثلاث طوائف:
1-
اللغات المصرية, وتشمل المصرية القديمة والقبطية.
2-
اللغات الليبية أو البربرية، وهي لغات السكان الأصليين لشمال أفريقيا -ليبيا وتونس، والجزائر، والمغرب، والصحراء، والجزر المتاخمة لها- فتشمل اللغات القبيلية Kabyles والشاوية Chaouia -اللغات القديمة لسكان الجزائر- والتماشكية Tamachek -وهي اللغات القديمة لقبائل التوارج Touareg وهي قبائل رحالة بصحراء المغرب- واللغات الشلحية أو لغات الشلحا، أو لغات أهل الشلوح chellouh -لغات السكان الأصليين لجنوب المغرب- ولغات زناجة Zenaga -لغات السكان الأصليين لجنوب المغرب- ولغات زناجة Zenaga واللغات الجونشية Guanche -لغات السكان الأصليين لجزر قناريا Canaries بالمحيط الأطلانطيقي، في الشمال الغربي من الصحراء الكبرى- ... وهلم جرا.
3-
اللغات الكوشيتية Couchitiques3 وهي لغات السكان الأصليين للقسم الشرقي من أفريقيا المحصور بين درجة العرض الرابعة جنوب خط الاستواء وحدود مصر, ما عدا المناطق الحبشية الناطقة بلغات سامية, والتي تقدَّم ذكرها في المجموعة الأولى, وما عدا بعض المناطق السودانية, وما إليها التي سيأتي ذكر لغاتها في الفصيلة الثالثة، فتشمل اللغات الصومالية، ولغات الجالا، والبدجا، ودنقلة، والأجاو والأفار أو الساهو، والسيداما ... إلخ Somali, Galla, Bedja, Dankali, Agaw, Afar, ou Saho Sidama etc ويتكلم باللغات الكوشية كذلك نحو ثلث سكان الحبشة.

1 انظر تفصيل القول في اللغة اليمنية القديمة في الفصل الرابع من كتابنا "فقه اللغة".
2
انظر تفصيل القول في اللغة الحبشية السامية في الفصل الخامس من كتابنا "فقه اللغة".
3
نسبة إلى كوش Cuch, وهو أحد أولاد حام "انظر سفر التكوين، الإصحاح العاشر، الفقرة السادسة وتوابعها".




ومن هذا يظهر أن المنطقة التي تشغلها الفصيلة الحامية-السامية أصغر كثيرًا من المنطقة التي تشغلها الفصيلة الهندية الأوروبية, فبينما الفصيلة الهندية الأوروبية تشغل أوروبا والأمريكتين وأستراليا وجنوب أفريقيا وقسمًا كبيرًا من آسيا، إذ الفصيلة الحامية-السامية لا تشغل إلّا بلاد العرب وشمال أفريقيا وجزءًا من شرقيها, إلى درجة عرض 4 جنوب خط الاستواء, فمنطقتها لا تتجاوز عشرين مليون كيلو مترًا مربعًا، بها قسم كبير صحراوي "ببلاد العرب وشمال أفريقيا"، وعدد الناطقين بها لا يتجاوز مائة وخمسين مليونًا، أي: نحو عشر سكان أوروبا وحدها, ولكنها تمتاز عن الفصيلة الهندية الأوروبية بأن منطقتها متماسكة الأجزاء لا يتخللها أي عنصر أجنبي.
ويتألف من الناطقين بها مجموعة شديدة التجانس, تتلاقى شعوبها في أصول واحدة قريبة، وتتفق في أساليب الحياة ونوع الحضارة والنظم الاجتماعية.
ويجمع بين اللغات السامية -المجموعة الأولى من هذه الفصيلة- كثير من الصفات المشتركة المتعلقة بأصول الكلمات والأصوات ومخارج الحروف وقواعد الصرف والتنظيم ... وما إلى ذلك, وقد قويت وجوه الشبه بين بعض أفردها حتى ليحسبها الباحث مجرد لهجات للغة واحدة1.
أما مجموعة اللغات الحامية -المجموعة الثانية من هذه الفصيلة- فلا يوجد بين طوائفها الثلاث -المصرية، والبربرية، والكوشيتية- من وجوه الشبه والقرابة اللغوية أكثر مما يوجد بين كل طائفة منها ومجموعة اللغات السامية, فاعتبارها مجموعة متميزة هو مجرد اصطلاح لا يتفق في شيء مع حقائق الأمور.
ولذلك عدل بعض المحدثين عن تقسيم هذه الفصيلة إلى مجموعتين،

1 انظر تفصيل هذا الموضوع في كتابنا "فقه اللغة" وخاصة في مقدمته.




وآثر جعلها من بادئ الأمر أربع مجموعات: السامية، والمصرية، والبربرية، والكوشيتية1.
وتختلف هذه المجموعات الأربع بعضها عن بعض اختلافًا غير يسير في كثير من الظواهر، ولكن بينها، على الرغم من ذلك، من وجوه الشبه والقرابة اللغوية ما يسمح بجعلها فصيلة واحدة مقابلة للفصيلة الهندية الأوربية.
هذا، وقد تغلبت مجموعة اللغات السامية على المجموعات الثلاث الأخرى, واحتلت كثيرًا من مناطقها. فاللغات القبطية والبربرية قد انهزمت أمام اللغة العربية، ولم يبق من البربرية الآن إلّا فلول ضئيلة2, وكذلك كانت نهاية الكوشيتية في صراعها مع اللغات السامية؛ فقد احتلت اللغات السامية معظم مناطقها، ولم يبق الآن من اللغات الكوشيتية إلّا بعض لهجات قليلة في بلاد الصومال، والحبشة وفي المناطق المتاخمة لها.
وقد اشتبكت اللغات السامية نفسها في صراع بعضها مع بعض, وأول صراع حدث بينها كان صراع الآرامية مع اللغات الأكادية والكنغانية؛ فقد اشتبكت في صراع مع الأكادية أولًَا وقضت عليها في أوائل القرن الرابع ق. م، ثم صرعت العبرية في أواخر الرابع ق. م، وتغلبت على الفينقية بآسيا في القرن الأول ق. م. والصراع الثاني كان صراع العربية مع أخواتها؛ فقد اشتبكت في صراع مع اللغات اليمنية القديمة, وقضت عليها قبيل الإسلام, ولم يفلت من هذا المصير إلّا بعض مناطق متطرفة نائية ساعد انعزالها وانزواؤها على نجاتها، فظلت محتفظة بلهجتها القديمة حتى العصر الحاضر, ثم اقتحمت العربية على الآرامية معاقلها في

1 وهذا هو ما سار عليه مارسل كوهين Marccl Cohen انظر:
Les Langues du Monde pp 81-153 Part 83
2
لا تزال البربرية إلى الوقت الحاضر لغة حديث بين كثير من القبائل المغربية في المغرب والجزائر وتونس وفي بعض الواحات التابعة لليبيا، فإن أهلها من البربر ولا يزالون يتكلمون البربرية إلى اليوم.



الشرق والغرب وانتزعتها منها معقلًا معقلًا حتى تمَّ لها القضاء عليها حوالي القرن الثامن الميلادي, ولم يفلت من هذا المصير إلّا بعض مناطق منعزلة لا تزال تتكلم اللهجة الآرامية إلى العصر الحاضر1. وامتد أثر العربية إلى الأمم الآرية والطورانية التي اعتنقت الدين الإسلامي -الفرس، الهنود، الأتراك، الأندونيسيين ... إلخ- فاحتلت لديها مكانة مقدسة سامية، وتركت آثارًا عميقة في كثير من لغاتها، فاتسعت بذلك مناطق نفوذها حتى بلغ عدد الناطقين بها والمتأثرين بسلطانها نحو ستمائة مليون من سكان المعمورة2.

1 انظر تفصيل هذه الموضوعات جميعها في كتابنا "فقه اللغة".
2
يبلغ عدد المسلمين في العالم حوالي 530 مليونًا, وتبلغ نسبتهم إلى مجموعة سكان العالم -البالغ عددهم زهاء 3500 مليون- نحو 15%، ومنهم بأفريقيا نحو 85 مليونًا "نحو 40%" من مجموع سكانها، وفي آسيا نحو 425 مليونا "نحو 27% من مجموع سكانها", وفي أوروبا نحو 22 مليونًا "نحو 2% من مجموع سكانها"، وفي الأمريكتين جاليات إسلامية يبلغ عددها زهاء ثلاثة ملايين "واحد وكسور في المائة من مجموع سكانها".
هذا ويبلغ سكان العالم الآن -أواخر عام 1972- زهاء 3500 مليون، يعيش نحو 57% منهم في آسيا. و21% منهم في أوروبا والاتحاد السوفيتي, و14% في الأمريكتين، و2% منهم في أفريقيا.
ويتزايد سكان العالم بمقدرا 65 مليون سنويًّا في المرحلة الحضارة، وهذه النسبة هي أكبرمن نسبة تزايدهم في أية مرحلة أخرى من مراحل تاريخ إنسان, وإذا استمرت الزيادة بهذه النسبة فسيصل عددهم إلى نحو 4 مليار نسمة قبيل عام 1980 -سيصل إلى ضعفي عددهم الحالي, أي نحو 7000 مليون- بعد نحو خمسين سنة.
ويعيش نحو ثلثي سكان العالم في عشر دول, وهي بحسب ترتيبها في عدد السكان: الصين الشعبية "نحو 850 مليونًا, أي نحو 25% من سكان العالم كله", فالهند "نحو 475مليون"، فالاتحاد السوفيتي "نحو 235 مليون"، فالوليات المتحدة "نحو 200مليون", فأندونيسيا "نحو 105مليون"، فباكستان بما فيها بنغال الشرقية "نحو 104مليون"، فاليابان "نحو 100مليون"، فالبرازيل "نحو 80 مليون", فالألمانيا الغربية "نحو 58", فبريطانيا "نحو 55 مليون".
وأكثر مناطق العالم في نمو عدد السكان أمريكا الوسطى, ومن بينها منطقة الكاريببي؛ إذ تصل هذه الزيادة إلى نحو 2،9% سنويًّا منذ عام 1958، وتليها أمريكا الجنوبية, وتليها الدول النامية التي تكون مستويات المعيشة فيها منخفضة.
"
انظر تقارير الأمم المتحدة ومكتب تعداد السكان عن السنين 63، 64، 65, وانظر جريدة الأهرام في 5/ 8/ 64 و5/ 12/ 64".



الفصيلة الثالثة: اللغات الطورانية
...
4-
الفصيلة الثانية: اللغات الطورانية
Langues Touraniennes
أطلق مكس مولر وبونسن Bunsen1 اسم "اللغات الطورانية" على طائفة من اللغات الأسيوية والأوربية التي لا تدخل تحت فصيلة من الفصيلتين السابقتين، كالتركية والتركمانية والمغولية والمنشورية والفينية, وهلم جرا، وتابعهما في ذلك كثير ممن جاء بعدهما.
فاللغات الطورانية ليست إذن فصيلة بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة، أي: مجموعة ترجع إلى أصول واحدة, ويجمع بين أفرادها صلات تشابه وقرابة, بل هي أمشاج من لغات لا يؤلف بينها إلّا صفة سلبية, وهي عدم دخولها في إحدى الفصيلتين السابقتين, هذا إلى أن القائلين لها لم يدخلوا تحتها جميع اللغات الإنسانية الخارجة عن الفصيلتين المذكورتين، بل قصروها على طائفة منها, وهي بعض اللغات الأسيوية والأوروبية.
فهذا قسم غير قائم على أساس, وغير شاملٍ لما بقي من لغات العالم.
ولذلك عدل المحدثون من علماء اللغة عن استعمال كلمة "اللغات الطورانية2" وعمدوا إلى ما بقي من اللغات الإنسانية خارجًا عن الفصيلتين السابقتين؛ فقسموه إلى فصائل يجمع بين أفراد كل فصيلة منها صلات تشابه وقرابة لغوية، فتتفق في أصول الكلمات وقواعد البنية وتركيب الجمل، ويتكون من الأمم الناطقة بها مجموعة إنسانية متميزة

1 انظر التعليق الثاني بصفحة 196.
2
ذهب هذا المذهب من القدامى أنفسهم العلامة رينان؛ فعلى الرغم من موافقته مكس مولر -الذي كان معاصرًا له- في كثير من آرائه، فإنه قد رفض الأخذ بنظريته بصدد اللغات الطورانية، ووجه إليها نقدًا لاذعًا في كتابه أصول اللغة.
V. Renan:Lُ Origine du Langage, pp. 40 et suiv




ترجع إلى أصول شعبية واحدة أو متقاربة, ويؤلف بينها طائفة من الروابط الجغرافية والتاريخية والاجتماعية.
وأحدث نظرية بهذا الصدد هي النظرية التي ذهبت إليها "جمعية علم اللغة بباريس" Societe de Linguistique de Paris في موسوعتها "لغات العالم" Les Languesdu Monde إذ قسمت، على الأسس السابق ذكرها، جميع اللغات الإنسانية الخارجة عن الفصيلتين الحامية - السامية، والهندية -الأوربية, إلى تسع عشرة فصيلة, وهي:
1-
فصيلة اللغات اليابانية.
2- "
فصيلة اللغات الكورية Coreen" "لغات سكان شبه جزيرة كوريا التي كانت تابعة لليابان, والواقعة بين اليابان والبحر الأصفر".
3-
لغة الأينو La Langue Ainou , ويتكلم بها الآن نحو ثلاثين ألفًا من سكان جزيرة هوكادو Hokkado, وجزيرة ساخالين Shakhaline, وجزيرة شيكوتان Shikhotan "وكلها كانت تابعة لليابان، والجزيرتان الأخيرتان تابعتان الآن لروسيا، وأما هوكادو فهي واحدة من جزر أربع تعد أكبر الجزر التي تتألف منها اليابان1.
ولم تثبت صلة قرابة بين هذه اللغة وأية لغة من اللغات الحية، ولذلك عدت فصيلة على حدتها.
4-
فصيلة اللغات الصينية - التبتية: وتشمل اللغات الصينية الأصلية ولهجاتها، والتبتية Tibetain والبرمانية Birman , والسامية Siamois "لغة سيام".

1 والثلاثة الآخر هي: "هوندو" أو "نيبون" وهي الجزيرة الأم، وشيكوكو، وكيوشو. هذا وقد بدأ في شهر نوفمبر سنة 1971 حفر أكبر نفق يصل جزيرة "هوكادو" بجزيرة "هوندو"، أو "نيبون" الجزيرة الأم. وسينتهي العمل في هذا المشروع سنة 1977. ويبلغ طول النفق 54 كيلو مترًا, منها نحو 23 تحت الماء. وسيمر بهذا النفق خطوط السكك الحديدية التي سوف تقلل مدة وصول المسافرين بين الجزيرتين بمقدار 13 ساعة "انظر جريدة الأهرام عدد 15/ 11/ 71".



- 5فصيلة اللغات الأسترالية الأسيوية: التي يتكلم بها القسم الأسيوي الجنوبي المنحدر إلى أستراليا، وتطلق على ثلاث شعب؛ شعبة اللغات الأنامية -لغة سكان أنام من الهند الصينية، وشعبة اللغات الموندية Langues Mounda, أو الكولارية kolariens, من أقدم لغات الهند، بل من أقدم اللغات الإنسانية جميعها، ويتكلم بها الآن نحو مليون نسمة من الهنود، ومنطقتها في الجزء الجنوبي من الهند، وشعبة اللغات المونكهمريا Les Mon-khmer "ويدخل فيها المنية Le Mon, والكهمرية Khmer أو الكمبدجية Cambodgien والتشامية Tcham, ويتكلم بهذه اللهجات بمنطقة أسام. Assam وما إليها".
6-
فصيلة اللغات الدرافيدية Dravidienne: لغات بعض الشعوب التي كانت تقطن جنوب بلاد الهند قبل أن يهاجر إليها الآريون, وتشمل التامولية Tamoul والكانارية Kanarais وغيرهما.
7
، 8- اللغات القوقازية: ولا يطلق هذا الاسم في اصطلاح علماء اللغات على جميع اللغات القوقازية، بل على مجموعة خاصة منها، وهي اللغات القوقازية التي ليست سامية، ولا هندية - أوربية، ولا أورالية- ألتائية"، وتشمل فصيلتين لم تثبت بعد صلات القرابة بينهما بشكل قاطع1, ولذلك عددناهما فصيلتين لا فصيلة واحدة, وهما: فصيلة اللغات القوقازية الشمالية؛ وتشمل السامورية Samourien والأرتسية Artsi والأديغية Adeghe.. وغيرها, وفصيلة اللغات القوقازية الوسطى؛ وتشمل الجيورجية Georgien واللازية Laze.. وغيرها.
9-
فصيلة اللغات الأسيوية القديمة: Langues propres de l Asie anterieure ancienne - يطلق هذا الاسم في عرف علماء اللغة

1 V. Langues du Monde pp. 327 et suiv




على لغات آسيوية قديمة غير سامية ولا هندية - أوروبية، كان يتكلم ببعضها في مملكة ميزوبوتاميا Mesopotamie -مملكة قديمة كانت تقع بين دجلة والفرات- وببعضها في آسيا الصغرى, وفي المناطق المتصلة من حوض البحر الأبيض المتوسط, وفي بعض أجزاء من إيطاليا1.
ومن أهم لغات هذه الفصيلة اللغة السومرية Sumerien، وهي لغة غير سامية ولا هندية - أوروبية، كان يتكلم بها شعب مجهول الأصل, كان يسكن حوض الفرات الأدنى بقرب خليج فارس، أي: في المنطقة التي احتلتها فيما بعد الشعوب السامية الآشورية والبابلية, ونشرت فيها لغاتها الأكادية -شعبة من اللغات السامية، وتسمى كذلك شعبة اللغات الآشورية - البابلية2.
ويرجع الفضل في الوقوف على اللغة السومرية إلى ما عثر عليه أخيرًا من آثارها مكتوبًا بالخط المسماري. وتتألف هذه الآثار من وثائق هامة بعضها أدبي - لغوي "شعر، قواعد، بحوث لغوية..إلخ"، وبعضها علمي "فلك، طبيعة ... إلخ" وبعضها اجتماعي -تاريخي "يعرضون للشئون الاقتصادية والقضائية والسياسية والإدارية والدينية والأسطورية والتاريخية ... وهلم جرا".
10-
فصلة اللغات التركية والمغولية والمنشورية.
11-
فصيلة اللغات الفينية Fiois والأجرية Ougriennes والسامويدية Samoyedes "ويتكلم بهذه اللغات في الحوض الأوسط

1 انتقلت هذه اللهجات إلى إيطاليا على أثر هجرة بعض الشعوب إليها من آسيا الصغرى, وأشهر اللغات الإيطالية القديمة التي تعد من هذه الفصيلة هي اللغة الأتروسكية Etrusque التي يتكلم بها الأتروسكيون Erusques أو الرازينيون Rasennes "وهم سكان المنطقة المسماة قديمًا: اتريريا Etrurie".
2
انظر آخر صفحة 201، وانظر تفصيل الكلام في اللغتين الأكادية والسومرية بالفصل الأول من كتابنا "فقه اللغة".




لنهر الفولجا Volga", ويدخل في الفينية اللغات الفنلندية1 والأستونية والبلغارية القديمة2 وغيرها, ويدخل في الأجرية اللغات اللابونية Lapons -لا تزال لهذه اللغات بقايا في السويد والنرويج وغيرهما, واللغات الهنغارية.. وغيرها, وتنشعب السامويدية إلى الأستياكية Ostiak واليوراكية Yourak والتافجوية Tavgui وغيرها.
هذا، وقد كان القدامى من علماء اللغة يجمعون معظم أفراد الفصيلة العاشرة والحادية عشرة تحت فصيلة واحدة كانوا يسمونها: الأورالية - الألتائية Ouralo- Altaique أو الطورانية, ولكن ظهر للمحدثين فساد هذا المذهب, وتبين لهم أن كلتا المجموعتين مستقلة عن الأخرى.

1 كانت فنلدنا منذ القرن الثالث عشر حتى عام 1809 جزءًا من السويد، ومن ثَمَّ كانت لغتها الرسمية هي السويدية, ثم انتزعتها روسيا القيصرية بعد ذلك من السويد, فأصبحت لغتها الرسمية هي الروسية, وكما حاول السويديون من قبل محو اللغة الفنلندية كذلك بذل القياصرة الروس أقصى جهودهم لتحويل فنلندا إلى مقاطعة روسية, فصدرت قوانين كثيرة تحرم تدريس اللغة الفنلندية في مدارس فنلندا, وتقضي بإصدار جميع الكتب والصحف بالروسية.
وكما بذل الفنلنديون جهودهم للمحافظة على لغتهم منذ القرن الثالث عشر وحمايتها من طغيان السويد، أخذوا بعد ذلك يواصلون جهودهم لصد غزو اللغة الروسية, وفي عام 1863 تكلل كفاحهم عندما أصدر القيصر الروسي ألكسندر الثاني اعترافًا باللغة الفنلندية كلغة رسمية لأهالي فنلندا.
وعندما استقلت عن روسيا في عام 1917, كانت دعوة القومية الفنلندية قد بلغت ذروتها؛ فمضت البلاد بعد استقلالها تحارب كل أثر للغتين السويدية والروسية, وسرعان ما اختفت الروسية لعدم تأصلها في البلاد، ولأن استخدامها كلغة رسمية في فنلندا لم يكد يتجاوز نصف قرن, ولكن السويدية التي كان لها جذور ممتدة إلى أعماق الماضي، والتي ظل استخدامها في فنلندا كلغة رسمية زهاء ستة قرون، بقيت لها آثار كثيرة في اللغة الفلندية وفي ألسنة الفنلنديين وفي مكاتباتهم حتى الآن, بل لقد أصبحت اللغة السويدية لغة التخاطب لنحو 300 ألف شخص من سكان فنلندا البالغ عددهم 4 ملايين ونصف مليون.
ولكن الفنلنديين أدركوا أخيرًا مزايا تعلم السويدية إلى جانب لغتهم الأصلية، حتى لا يصبحوا في عزلة عن السويد وسائر الدول الأسكندينافية، وأخذت سلطات هلسنكي الآن تشجع نظام تعليم اللغتين في مدارسها.
2
قد انقرضت هذه اللغة وحل محلها لسان صقلبي؛ كما سنذكر ذلك في الفقرة الثانية من الفصل الثالث، انظر على الأخص ص231.



- 12لغة الباسك Basque, أو الأسكارا Euskara, ويتكلم بها الباسكيون، وهو شعب يقطن منطقة جبال البرانس الغربية في العدوتين الأسبانية والفرنسية، بمناطق بيسكاي Biscaye وألافا Alava وجويبوزكوا Guipzcoa ونافار Navare "بأسبانيا"، وبمناطق بيون Bayonne وموليون Mauleon بفرنسا.
ويدل الإحصاء الذي عمله لويس - لوسيان بونابرت Louis-Luciec Bonaparte عام 1873 أن عدد المتكلمين بهذه اللغة يبلغ 660 ألفًا في أسبانيا, ونحو 140 ألفًا في فرنسا, ولكن ليس من شكٍّ في أن منطقة اللغة الباسكية، وبخاصة منطقتها الأسبانية، كانت قديمًا أوسع كثيرًا مما يرشد إليه هذا الإحصاء، وقد ضاقت الآن من الناحية الجغرافية عما كانت عليه عام 1873 لتغلب اللغتين الفرنسية والأسبانية على بعض أجزائها، وخاصة في أقليم نافار Navare، وأن كان عدد سكانها -وبخاصة سكان المنطقة الأسبانية- قد زاد كثيرًا عما كان عليه سنة 1873. 1
هذا, وقد هاجر إلى أمريكا عقب كشفها بعض أسرات من الباسكيين فانتشرت لغتهم في المناطق التي حلوا بها, ولا ينفك يتكلم بها الآن بضعة آلاف من أعقابهم، وتصدر بها بعض صحفهم ومجلاتهم العامة.
13-
اللغات الهيبيربورية Heperboreennes أو لغات أقصى

1 وقد وصل عددهم في أسبانيا سنة 1971 نحو مليون ونصف مليون, هذا وتواجه حكومة الرئيس فرانكو عدة حركات للمعارضة داخل أسبانيا؛ من أهمها حركة الباسك الانفصالية في مقاطعات شمال شرق أسبانيا على ساحل خليج بيسكاي, وتضم هذه الحركة مئات من الفدائيين الذين قاموا بعدة عمليات تخريب خلال السنوات الماضية من أجل تحقيق مطالب شعب الباسك, وهي الاستقلال الذاتي والاعتراف بلغته وتاريخه, ومطالب الباسك الأسباني بالاستقلال تمتد لمئات من السنين في التاريخ الأسباني الذي تعرضت خلاله للضغط والتشجيع مع تغير نظم الحكم, وكان آخر مرة حصلوا فيها على استقلالهم عام 1931, ولكن الجنرال فرانكو جاء ليفرض عليهم سلطة الدولة, ويمنع استخدام لغة الباسك والاعتراف بقومية خاصة بهم" الأهرام 11/ 5/ 1970".




الشمال، وهي لغات سيبيريا وما إليها من أقاليم المنطقة المتجمدة الشمالية, وتشمل هذه الفصيلة اللغة اليوكاجيرية Youkagir التي يتكلم بها في القسم الغربي من هذه المنطقة، والتشوكتشية Tchouktcho التي يتكلم بها نحو عشرة آلاف يقطنون سيبيريا شمالي نهر أنادير Anadyr، والكورياكية Kotyak التي يتكلم بها في المنطقة المحصورة بين نهر أنادير وشبه جزيرة كمتشاتكا Kamtchatka والكمتشادالية Kamtchadal التي يتكلم بها نحو ألفين يقطنون شبه جزيرة كمتشاتكا وجزر كوريل Kouriles، والجيلياكية Guiliak التي يتكلم بها في شمال جزيرة ساخالين Sakhaline وفي الحوض الأدنى لنهر آمور Amour.
14-
اللغات الملايوية - البولينيزية Malayo-Polynesiennes, ويتكلم بهذه الفصيلة في طائفة كبيرة من جزر المحيطين الهندي والهادي, تبدأ شرقًا بجزيرة مدغشقر -40 درجة طول شرقي باريس- وتنتهي غربًا بجزيرة باك Paques "110 درجة طول غربي باريس، وتمتد من درجة عرض 50 جنوب خط الاستواء إلى درجة عرض 30 شمالية؛ فمنطقة هذه الفصيلة تشغل نحو 210 درجات طول وثمانين درجة عرض.
وتشمل هذه الفصيلة خمس شعب لغوية وهي:
شعبة اللغات الأندونيسية lndonesiennes، وهي التي يتكلم بها بجزر أندونيسيا: جزر الفيليبين، وسيليب، وبرنيو، وجاوة, وسومطرة، ومادورا، ومدغشقر ... إلخ.
وشعبة اللغات الميلانيزية Melanesiennes، وهي التي يتكلم بها في جزر ميلانيزيا "جزر سليمان، وسانت كروز، وتوريس، وهابريد الجديدة، ولويالتي، وفيدجي ... إلخ".
وشعبة اللغات الميكرونيزية Micronesiennes، وهي التي يتكلم بها في جزر ميكرونيزيا "جزر جلبرت، ومرشال، وكارولين، وماريان ... إلخ".




وشعبة اللغات البولينزية Polynesiennes, وهي التي يتكلم بها في جزر بولينزيا "جزر ساموا، وكوك، وتاهيتي أو جزر الشركة، وبوموتي، وتونجا، ومنجاريفا، وباك، وزيلندا الجديدة ... إلخ".
وشعبة لغاب البابو Langues Papoues، وهي اللغات التي يتكلم بها في غينا الجديدة Nouvelle Guinee والجزر المجاورة لها.
15-
لغات سكان أستراليا الأصليين.
16-
اللغات الأمريكية: ويتكلم بها سكان أمريكا الأصليون -الهنود الحمر ومن إليهم- وكان يبلغ عددهم حينما كشفت أمريكا حوالي 40 مليونًا -أي: بنسبة ساكن واحد تقريبًا في كل كيلو متر مربع- ثم أخذ عددهم يتناقص شيئًا فشيئًا حتى هبط في أوائل القرن العشرين إلى حوالي 15.5 مليونًا -أي بنسبة ساكن واحد في كل 2,5 كيلو متر مربع، منهم نحو نصف مليون في الوليات المتحدة وجرونلاند، ونحو 6,5 مليون في المكسيك وأمريكا الوسطى "هوندراس وكوستاريسا، وبنما، ونيكاراجا، وجواتيمالا، وسلفادور"، ونحو 8,5 مليونًا بأمريكا الجنوبية.
وقد كان لتخلخل السكان في هذه المنطقة أثر كبير في تعدد لغاتها، فقد بلغت حسب إحصاء العلامة ريفية Rivet 1، 123 شعبة: منها 26 بأمريكا الشمالية، و20 بأمريكا الوسطى، و77 بأمريكا الجنوبية.
ومن أشهرها بأمريكا الشمالية: لغات الإيروكويين lroquoisK والألجنكويين Algonkins والإسكيمو Esquimaux، والسيو Siou، وبأمريكا الوسطى: لغات الأموسجو Amosgo، والكويكاتك Kuikatek واللنكا Lenka والمياه Maya والميسكيتو Miskito، وبأمريكا

1 V. Rivet, dans: Les Langues du Monde, pp. 597-713




الجنوبية: لغات الألاكالوف Alakaluf، والأروكان Aroukan, والأرواواك Arawak, والأتاكاما Atakama, والكاريب Karib, والأيتوناما ltonama.
هذا، ولم تظهر بعد بشكل قاطع صلة قرابة لغوية أو صفة مشتركة تربط هذه الشعب بعضها ببعض؛ فالفصيلة التي نحن بصدد الكلام عنها هي إلى الفصيلة الجغرافية أدنى منها إلى الفصيلة اللغوية.
17-
لغات السودان وغانة1: وهي لغات غير سامية ولا حامية, تتكلم بها جماعات كثيرة من سكان السودان, وخاصة السودان الجنوبي وسكان غانة, وقد قسمها العلامة موريس ديلافوس Maurice Delafosse إلى 435 لغة, ترجع إلى ست عشرة شعبة2 منها: الشعبة النيلية التشادية Nilo- tchadien "يتكلم بها في المنطقة المحصورة بين أسوان شمالًا وفاشودة جنوبًا، وتشتمل على ثلاثين لغة من أشهرها: لغات النوبة، والباريا، والتوبو، والميمي، والكوناما ... إلخ"، وشعبة اللغات النيلية - الأبيسينية "يتكلم بها في الحوض الأوسط للنيل الأزرق, وفي حوض النيل الأبيض, وبحر الجبل، وتشتمل على خمس عشرة لغة من أشهرها: لغات الشيلوك، والدنكا، والديور، والجاميلا، والدوكو ... إلخ"، وشعبة اللغات النيلية - الاستوائية "يتكلم بها في جنوب المنطقة السابقة، وتشتمل على ست وعشرين لغة، من أشهرها: لغات الباري، واللاتوكا، والليري، والكافيروندو، والتاتور ... إلخ"، وشعبة لغات كردفان "يتكلم بها في منطقة كردوفان ومنطقة جبال النوبة، وتشتمل على عشر لغات, منها: لغات التالوري، واللافوفا، والتومتوم، والكاندرما ... إلخ"، وشعبة اللغات النيلية - الكونغوية، وشعبة اللغات الغينية - الغانية.... وهلم جرَّا.

1 هي الجزء الغربي من أفريقيا, المحصور بين سنغمبيا شمالًا والكنغو جنوبًا, والواقع على سواحل خليج غانة.
2 V. Maurice Delafosse, dans: "Langues du Monde", pp. 465-561





- 18اللغات البنطوية Langues Bantou, ويتلكم بها سكان القسم الجنوبي من أفريقيا, في منطقة واسعة على شكل مثلث ينطبق رأسه على رأس الرجاء الصالح، ويمتد ضلعه الأيمن على الساحل الشرقي لأفريقيا حتى بلاد الصومال1, وضلعه الأيسر على الساحل الغربي حتى مدينة دوالا Douala ببلاد الكمرون2، وتتجه قاعدته من بلاد الصومال إلى المحيط الأطلانطيقي مارّةً شمال أوغندة والكنغو, وكل الشعوب التي تقطن هذا المثلث تتكلم البنطوية, ما عدا قبائل الهوتنتوت والبوشيمان والنيجريين, التي سيأتي ذكرها في الفصيلة التاسعة عشرة، وما عدا المتكلمين بالإنجليزية وبالأفريكانية من سكان أفريقيا الجنوبية3.
وتشتمل هذه الفصيلة على لغات كثيرة؛ من أشهرها: لغات السوتو Sotho، والسواحلي Swahili، والدوالا Douala، والجندا Ganda, والجالوا Galoa, والتونجا Tonga، والزولو Zoulou "وهي التي يتكلم بها قبائل الزولو"4، والهوسا Haoussa "ويتكلم بها قبائل الهوسا".
هذا، وقد كان العرب على اتصال بأهل زنجبار منذ عصور سحيقة، ولذلك عنوا بدراسة لغتهم "المسماة السواحلية Swahili" ودونوها بحروف عربية، وعن طريقهم وصلنا كثير من تفاصيل هذه

1 الغاية هنا خارجة، فلغات الصومال من الشعبة الكوشيتية "إحدى شعب الفصيلة السامية الخامية" كما تقدم، انظر آخر ص202.
2
الغاية هنا داخلة, فلغلة دوالا من أهم لغات هذه الفصيلة.
3
انظر ص171 وتعليق رقم 1.
4
ينحدر الزولو من قبيلة الكافر الأفريقية، ولا يتجاوز عددهم في الوقت الراهن 245 ألفًا, يسكنون بقرى الناتال. وتعد مدينة دربان "أنشئت سنة 1824 وسميت باسم السير بنيامين دربان حاكم مستعمرة الكاب في ذلك العهد" عاصمة بلادهم، ويسكنها أكثر من ستين ألفًا منهم, وهم قوم أولو بأس وشدة وشجاعة نادرة في القتال, ولم ينفكوا يقاتلون المستعمرين من البوير والهولنديين والإنجليز ويدافعون عن استقلال بلادهم حتى غلبوا على أمرهم سنة 1883, وضمت بريطانيا بلادهم رسميًّا إلى ممتلكاتها في أفريقيا, "انظر ما نشره في هذا الصدد الأستاذ منصور جاب الله في جريدة الأهرام في 23/ 1/ 1949.
-
وانظر كذلك Homburger, dans: Les Langues du Monde, p. 583



اللهجة, أما اللغات الأخرى من هذه الفصيلة فقد عني بدراستها كثير من أعضاء الإرساليات الدينية في هذه المنطقة، ودونوها بحروف لاتينية مع أعضاء علامات لتمييز الأصوات الخاصة بها1.
19-
لغات البوشيمان والهوتنتوت والنيجريين Boschimans Hottentotes Negrilles, وهي من القبائل الأفريقية الجنوبية, تقطن أولاها الغابات الاستوائية والمناطق الصحراوية، ولا يتجاوز عدد أفرادها الآن خمسين ألفًا، وتقطن ثانيتها منطقة محصورة بين خط عرض 24 جنوب خط الاستواء، والحوض الأدنى لنهر الأورانج وبعض أجزاء من مستعمرة الكاب2، ولا يتجاوز عدد أفرادها الآن ربع مليون يتألف معظمهم من عشائر الناما Nama، وتتألف ثالتثها من أقزام يقطنون الغابات الأستوائية.
هذا، ولما كانت هذه الفصائل التسع عشرة ممثلة للقسم البدائي أو الذي وقف نموه من لغات بني الإنسان، فأهميتها النسبية أقل كثيرًا من أهمية الفصيلتين السابقتين "الهندية - الأوروبية، والحامية - السامية"، ولما كان المقام من جهة أخرى، لا يتسع في عجالة كهذه الكلام عنها وعن خصائص كل منها3؛ ولأن الباحثين، من جهة ثالثة، لم يصلوا بعد في دراسة معظمها إلى نتائج ذات بالٍ, لهذا كله آثرنا أن نقتصر على ما سبق ذكره بصددها، ونقف الجزء الباقي من هذا الفصل على تكملة البحث في الفصيلتين الهندية - الأوربية, والحامية -السامية.

1 انظر في هذه الفصيلة
Homburger, dans: Les Langues du Monde, pp. 561-591
2
كانت عشائر الهوتنتوت تقطن قديمًا منطقة واسعة جنوب نهر زمبيزي، ثم أخذت هذه المنطقة تضيق شيئًا فشيئًا تحت تأثير غارات البنطويين من الشمال, والأوروبيين من الجنوب, حتى انحصرت في الحدود التي وصفناها.
3
حاولت جمعية اللغة بباريس Societe de Lingutique de Paris تحت إشراف الأستاذين ميية Meillet ومارسل كوهن Marcel Cohen أن تعرض في كتابها "لغات العالم" Les Langues du Monde بحثًا موجزًا في هذه الفصائل التسع عشرة, فاستغرق بحثها هذا نحو ستمائة صفحة من القطع الكبير. "من 153-713". وقد اشترك في تحريره طائفة من أئمة الأخصائيين في هذه اللغات.





- 5بعض ما تختلف فيه الفصيلتان السامية, والهندية - الأوربية:
تمتاز كلٌّ من هاتين الفصيلتين عن الأخرى بخواص كثيرة, من أهمها ما يلي1:
1-
تتألف أصول الكلمات، في اللغات السامية في الغالب من ثلاثة أصوات ساكنة -أحرف ساكنة2- مختلفة؛ ففي اللغة العربية مثلًا ترجع جميع الكلمات التي فيها معنى القتل، إلى أصل ثلاثي مؤلف من ثلاث أصوات ساكنة مختلفة هي قْ تْ لْ.
ولا يشذ عن هذه القاعدة إلّا بعض الحروف والضمائر وبعض أسماء الشرط والموصول, وقليل من أسماء الذوات "يد، دم" ومن الأفعال "قال، وعد، تم، رد3".
وهذه الأصول لا توجد مستقلة في اللغات السامية؛ فالأصل الدال على معنى القتل في اللغة العربية مثلًا وهو قْ تْ لْ لا يوجد مستقلًّا في هذه اللغة، بل لا يمكن النطق به.

1 وقف العلماء على هذا الموضوع مجلدات ضخمة، من أحسنها وأقربها مأخذًا في اللغات الهندية - الأوربية كتاب الأستاذ ميية Meillet: lntroduction a l etude comparative des Langues lndo-Europeennes ويقع في نحو خمسمائة صفحة من القطع الكبير، وفي اللغات السامية كتاب العلامة رينان Renan Histoire langues Semitiques, ويقع كذلك في نحو خمسمائة صفحة من القطع الكبير. وقد عرضت جمعية علم اللغة بباريس للفصيلتين معًا في كتابها "لغات العالم" في نحو مائة وخمسين صفحة "1-153".
2
الحرف هو ما يرمز إلى الصوت في الكتابة، فاستعمال كلمة أصوات في هذا المقام أدق من استعمال كلمة حروف، ونريد بالساكنة ما يقابل اللينة.
3
انظر تفصيل هذا الموضوع في مقدمة كتابنا "فقه اللغة". هذا، وأما الكلمات التي تبدو رباعية الأصول في العبرية والعربية فهي متفرعة في الحقيقة عن أصول ثلاثية "دحرج مثلًا متفرعة عن درج أو دحر، على الرغم من أن علماء الصرف يعتبرون جميع أصواتها أصيلة".
[


والأصوات التي يتألف منها أصل ما توجد مرتبة، حسب ترتيبها في هذا الأصل، في جميع الكلمات المشتملة على معناه العام؛ فالأصوات الثلاثة ق ت ل، التي يتألف منها الأصل الدال على معنى القتل، توجد مرتبة بالشكل السابق في جميع الكلمات المشتملة على هذا المعنى: قتل قاتل، قتال، قتيل..إلخ.
واشتمال الكلمة على أصوات أصل ما لا يدل على أكثر من تضمنها للمعنى العام لهذا الأصل.
أما ما عدا المعنى العام فيشار إليه بأصوات مد طويلة "ألف، ياء، واو..إلخ", أو قصيرة "فتحة، كسرة، ضمة" تلحق جميع أصوات الأصل أو بعضها. فنوع الكلمة "كونها اسمًا أو فعلًا أو حرفًا، اسم فاعل أو اسم مفعول. متعدية أو لازمة، مفردة أو مثنى أو جمعًا.. إلخ", وزمنها: "حدث معناها في الماضي, أو يحدث في الحال, أو في الاستقبال" ووظيفتها في الجملة "كونها فاعلًا أو مفعولًا أو مضافًا إليه أو حالًا أو تمييزًا..إلخ"، كل ذلك وما إليه تدل عليه في اللغات السامية أصوات مدة طويلة أو قصيرة تلحق جميع أصوات الأصل أو بعضها. وأصوات المد الطويلة هي التي يرمز إليها في الكتابة العربية بحروف اللين الثلاثة "الألف والياء والواو" والقصيرة هي التي يرمز إليها بالفتحة والكسرة والضمة, فبضم القاف وكسر التاء وفتح اللام في "قتل المجرم" مثلًا تدل الكلمة على فعل قتل حدث في زمنٍ مضى, ومسند للمفعول, وبمد القاف بالألف وكسر التاء وإبقاء اللام ساكنة في "قاتلْ الذي يقاتلك"، تدل الكلمة على أمر المخاطب بإجراء القتل في صورة متبادلة مع غيره. وبفتح القاف ومد التاء بالياء وكسر اللام في "هذا دم القتيل"، تدل الكلمة على شخص وقع عليه القتل ومنسوب إليه "مضاف إليه" شيء آخر, وبفتح القاف وإبقاء التاء ساكنة مد اللام بالألف في "هؤلاء قتلى الحرب" تدل الكلمة على عدة أفراد وقع عليهم القتل.. هلم جرَّا.



وقد يصحب هذا أحيانًا أصوات جديدة تسبق أصوات الأصل الثلاثة أو تتخللها أو تلحقها للدلالة على معانٍ خاصة في الكلمة, فبزيادة ميم محركة بالفتح قبل أصوات الأصل, ونون ساكنة في نهاية الكلمة, مع إبقاء القاف ساكنة وفتح التاء واللام في "أصاب مقتلًا "مقتلن" تدل الكلمة على عضو نكرة تؤدي إصابته إلى القتل, وقد وقع عليه القتل المعبر عنه في الجملة, وبزيادة ياء مفتوحة قبل أصوات الأصل, وتاء مفتوحة بعد القاف, ونون مفتوحة في آخر الكلمة، مع إبقاء القاف ساكنة وكسر التاء ومد اللام بالواو في "القوم يقتتلون" تدل الكلمة على فعل يحدث في الحال أو في الاستقبال في صورة متبادلة بين طائفتين من الذكور الآدميين.
ومما تقدَّم يتضح أن للأصوات الساكنة -ونعني بها ما عدا أصوات المد- في اللغات السامية أهمية تزيد كثيرًا على أهمية أصوات المد؛ فالمعنى الأساسي للكلمة يشار إليه غالبًا بالأصوات الساكنة, أما أصوات المد فلا تعدو وظيفتها في الغالب تحديد هذا المعنى العام, وتوجيهه وجهات خاصة, هذا إلى أن الأصوات الساكنة تنال في اللغات السامية أكبر قسط من عناية المتكلم، وهي لذلك أوضح في الجرس من أصوات المد وأظهر منها في السمع, وقد سرت أهمية الأصوات الساكنة في الدلالة والنطق إلى الرسم نفسه, فأهم مايعنى الرسم السامي بإظهاره هي الأصوات الساكنة, أما أصوات المد فيغفل بعضها إغفالًا تامًّا، ويشير إلى بعضها بالشكل، ويرسم بعضها رسمًا مضطربًا غير دقيق, وهذا في الرسم الحديث. أما الأشكال القديمة للرسم السامي فكانت تغفل جميع أصوات المد.
أما اللغات الهندية - الأوربية فتختلف عن اللغات السامية - الحامية, فيما يتعلق بأصول الكلمات من أربعة وجوه, أحدها أن أصول الكلمات الهندية - الأوروبية ليست متحدة في عدد أصواتها كما هو شأن الأصول السامية، بل تختلف في ذلك اختلافًا كبيرًا، فمنها الثنائي




ومنها الثلاثي ومنها الرباعي ... وهلم جرا, وثانيها: أن أصول الكلمات الهندية الأوروبية ليست مؤلفة من أصوات ساكنة فحسب, كما هو شأن الأصول السامية، بل تختلط فيها الأصوات الساكنة باللينة. وثالثها: أن أهمية الأصوات الساكنة لا تزيد في اللغات الهندية - الأوروبية عن أهمية الأصوات اللينة لا في الدلالة ولا في النطق ولا في الرسم, كما هو الشأن في اللغات السامية. ورابعها: أن الأصل الدال على المعنى العام للكلمة هو نفسه بمنزلة كلمة مستقلة يمكن فصلها والنطق بها على حدة1. وقد يتحقق أحيانًا هذا الفصل في الواقع فيبقى الأصل في الكلمة مجردًا من كل عنصر آخر2. على أنه في حكم الثابت أن جميع أصول الكلمات الهندية الأوروبية كانت في عصورها الأولى -حينما كانت اللغة غير متصرفة3- تستخدم وحدها عارية من كل زيادة4.
ويشير الأصل في الكلمة الهندية - الأوروبية إلى معناها العام, أما ما عدا ذلك فيشار إليه بالعلامات الآتية5.
أ- أصوات تلحق الأصل فتدل على نوع الكلمة "كونها اسمًا أو فعلًا أو حرفًا اسم فاعل أو مفعول ... إلخ" وتسمى هذه الأصوات "باللاحقة" suffixe وأصل الكلمة مع لاحقتها يسميان مادة الكلمة Theme.
وقد يتصل بالأصل أكثر من لاحقة واحدة للدلالة على عدة معانٍ في الكلمة من هذا القبيل, وقد تعرو الكلمة من اللواحق، ولكن تجردها منها يشير هو نفسه إلى معنًى خاصٍّ فيها.

1 V. Renan: Langues Semitiques, 455 suiv. Meillet: lntroduc tion etc ll5-122
2 Meillet op cit 120
3
انظر معنى هذه الكلمة في صفحة 117.
4 Meillet ip cit 119-120
5
انظر في هذه المميزات ومايتصل بها Meillet op cit 115-122






ب- أصوات تأتي عقب اللاحقة, فتختتم بها الكلمة لتعيين وظيفتها في الجملة "كونها فاعلًا أو مفعولًا أو مضافًا إليه.. إلخ" وزمنها "ماضيًا أو مضارعًا ... إلخ" ونوع إسنادها "كونها مسندة إلى المتكلم أو المخاطب أو الغائب ... إلخ" ودلالتها على مذكر أو مؤنث، مفرد أو مثنى أو جمع ... وهلم جرا. وتسمى هذه الأصوات "بالخاتمة"1 Desinence.
ولا يلحق الأصل أكثر من خاتمة واحدة, وقد تتجرد الكلمة من "الخواتم"، ولكن تجردها يشير هو نفسه إلى معنى خاص فيها, فتجرد الفعل مثلًا من الخاتمة يدل في بعض اللغات الهندية - الأوروبية "ومنها الإنجليزية والفرنسية" على أمر مسند للمفرد المخاطب. Aime Love.
وقد تتجرد الكلمة من اللاحقة والخاتمة, فيبقى الأصل عاريًا من كل زيادة, ولكن تجرده هذا يدل هو نفسه على معنًى خاصٍّ فيه.
جـ- أصوات تسبق الأصل فتلصق بالكلمة في مبدئها للدلالة على معانٍ من نوع المعاني التي تدل عليها الأصوات اللاحقة السابق ذكرها: وتسمى هذه الأصوات "بالسابقة" prefixe
د- أصوات لين طويلة أو قصيرة oi ei eau au ui.. etc a e e e e io w تلحق جميع أصوات الأصل أو بعضها على نحو ما تقدم شرحه في اللغات السامية.
هـ- شكل النطق بمختلف أجزاء الكلمة؛ ففي بعض اللغات الهندية - الأوروبية يتغير معنى الكلمة بتغير طريقة النطق بأجزائها؛ ففي الإنجليزية مثلًا تتردد بعض الكلمات بين الاسمية والفعلية تبعًا لطريقة النطق بها، فإذا ضغط في النطق على جزئها الأول كانت اسمًا, وإذا ضغط على جزئها الأخير كانت فعلًا:
The objict of our book is..
l object against this theory

1 ليست كلمة "الخاتمة" بترجمة لكلمة Desinince, بل هي كلمة من اصطلاحنا لتسهيل التسمية.




و موقع الكلمة في الجملة؛ ففي بعض اللغات الهندية - الأوروبية لا يتميز الفاعل من المفعول إلّا بتقديمه في الجملة Pierrr bat Paul
وتختلف اللغات الهندية - الأوروبية في مبلغ استخدامها لهذه العلامات الست؛ فمن اللغات الهندية - الأوروبية ما يستخدم جميع هذه العلامات، ومنها ما لا يستخدم إلّا بعضًا، ومنها يستخدم بعضها بكثرة ولا يلجأ لبعضها الآخر إلّا نادرًا. وإليك مثلًا العلامات التي سميناها "السابقة" "رقم جـ": فهي لا توجد في كثير من اللغات الهندية - الأوروبية القديمة، على حين أنها تكثر في الحديثة منها؛ كالإنجليزية والفرنسية وما إليهما Understand Comprindre.
2-
لا تكاد توجد في اللغات السامية كلمات تشتمل على أكثر من أصل واحد، على حين أن هذا النوع يكثر في اللغات الهندية - الأوروبية، وبخاصة الحديث منها, وكل كلمة من هذا القبيل تدل على معنًى مركب من معاني الأصول التي تشتمل عليها1.
3-
ليس للفعل في معظم اللغات السامية إلّا زمنان: فعل انتهى زمنه "ماضٍ"؛ وفعل لم ينته زمنه "مضارع للحال أوالاستقبال وأمر"،2 على حين أن له في اللغات الهندية - الأوروبية أزمنة كثيرة لكل منها صيغة خاصة: الماضي القريب، الماضي البعيد، الماضي الكامل، الماضي المتصل بالحاضر، المستقبل..إلخ. وقد بلغت هذه الأزمنة في اللغة

1 توجد هذه الظاهرة في اللغات السامية في بعض كلمات قليلة معظمها حديث النشأة، ومن ذلك ما يسمونه بالكلمات المنحوتة: تلاشى "أصبح لا شيء"، حمدل "قال الحمد لله"، بسمل "قال بسم الله" طلبق "قال أطال الله بقاءك"..إلخ. انظر تفصيل هذا الموضوع بكتابنا "فقه اللغة" الطبعة السابعة ص186 وتوابعها.
2
يستثنى من ذلك اللغات الأكادية, فإن الفعل فيها ثلاثة أزمنة أصيلة: زمنان يشار إليهما بأصوات تلحق أول الفعل، وهما الزمن الماضي التام والزمن المضارع للاستقبال، وزمن ثالث يشار إليه بملحق في آخر الفعل, وهو الزمن المعبر عن الاستمرار. "انظر الطبعة السابعة من كتابنا "فقه اللغة" ص29".






الفرنسية أحد عشر في الجمل الإخبارية وحدها indicatif
Je parle, je parlais, je parlai, j
ُ ai parle, jُ eu parle, jُ avais parle, jُ ai eu parle, jُavais eu parle, je parlerai, jُ aurai parle, jُ aurai eu parle
4-
يحدث في الغالب تأنيث الاسم والصفة في اللغات السامية والحامية بإضافة تاء إلى المذكر, أما في اللغات الهندية - الأوروبية فللتأنيث طرق أخرى كثيرة، منها تضعيف الحرف الأخير للمذكر "Chat, te; gras se"، ومنها استبدال حرف آخر به Loup, Ve; neuf, ve ومنها استبدال عدد من الأحرف الأخيرة في المؤنث بعدد من الأحرف الأخيرة في المذكر "instituteur, trice, pecheur, cheresse" ومنها مد الحرف الأخير في المذكر "berger, ere; fermier, iere" ومنها زيادة بعض حروف على المذكر tigre, resse, fermier, iere" ومنها زيادة بعض حروف على المذكر tigre, resse, comte tesse0- وقد يلتزم التذكير أو التأنيث لبعض الحيوانات والطيور في الفصيلتين، ويدل على الجنس الآخر علامات زائدة على الكلمة "مثلًا الضبع والعقاب مؤنثان دائمًا في اللغة العربية، والذئب Wolf مذكر دائمًا في الإنجليزية ويقال للأنثى she wolf00- وأما الفصائل الأخرى الخارجة عن الإنسان والحيوانات فالتذكير والتأنيث فيها مجرد اصطلاح, وكثيرًا ما يختلف اصطلاح الفصيلتين اللغويتين إحداهما عن الأخرى "مثلًا: الشمس في اللغة العربية مؤنثة, وهي في الفرنسية مذكر، وعلى العكس من ذلك القمر". وفي بعض اللغات الهندية الأوروبية تختلف علامة التعريف تبعًا لجنس ما يلحقها "مذكر أو مؤنث" وتبعا لعدده "في الفرنسية مثلًا Le, La, Les " وهذا لا يكاد يوجد له نظير في اللغات السامية.
5-
يميل الأسلوب كثيرًا في اللغات السامية -وخاصة الأسلوب الأدبي- إلى استخدام الكلمات والعبارات في غير ما وضعت له عن طريق الاستعارة والمجاز المرسل والكناية, وما إلى ذلك, أما أساليب اللغات الهندية -الأوروبية فيبدو فيها الحرص على استخدام الكلمات في معناها الأصلي.



هذا وقد اعتمدنا في التفرقة بين هاتين الفصيلتين على أمور تتصل بالقواعد لا بالمفردات, وذلك لأن ناحية القواعد هي من أهم ما تمتاز به الفصائل بعضها عن بعض؛ فمنها تتكون شخصية اللغات, وإليها ترجع مقوماتها, وهي التي تمثل المظهر الثابت المستقر في اللغات؛ فهي لا تكاد تتغير، وما يحدث فيها أحيانًا من تغير يجري دائمًا ببطءٍ وفي نطاق ضيق, وهي إلى هذا كله، لا تنتقل بطريق الاقتباس من لغة إلى أخرى1. فتشابه لغتين في القواعد يدل إذن على انتمائهما إلى فصيلة واحدة, واختلافهما فيها يدل على اختلاف فصيلتهما.
على حين أن المفردات تمثل المظهر المتقلب, والناحية المتنقلة في اللغات؛ فهي محاطة بعوامل كثيرة تحول دون ثباتها, وتجعلها عرضة للتغير المطرد والتطور السريع، وتذلل لها وسائل الانتقال من لغة إلى لغة, فتشابه لغتين في مفرداتهما عن الأخرى, واختلاف لغتين في مفرداتهما لا يدل على اختلاف فصيلتهما, فقد تكونان من فصيلة واحدة, ويكون السبب في هذا الاختلاف راجعًا إلى أن مفردات كل منهما قد سلكت في تطورها طريقًا يختلف عن الطريق الذي سلكته مفردات الأخرى لاختلافهما في المؤثرات المحيطة بهما, أو أن أحداهما قد اقتبست مفرداتها من لغة ثالثة لا ترطبها بها لحمة قرابة, فبعدت في هذه الناحية عن فصيلتها.
فاللغة السريانية مثلًا تعد من فصيلة اللغات السامية، مع أن قسمًا كبيرًا من مفرداتها يتحد مع مفردات اللغة الإغريقية التي تعد من أفراد الهندية - الأوروبية, وذلك لأن قواعد الأولى قواعد سامية، وقواعد

1 سنعرض لهذا الموضوع بتفصيل في الفصل الثاني, وسنذكر فيه أن القواعد إذا انتقلت من لغة إلى أخرى كان انتقالها إيذانًا بزوال اللغة التي انتقلت إليها, واندماجها في اللغة التي انتقلت منها، وأن هذا يحدث حينما تشتبك لغتان في صراع, ويكتب لإحداهما النصر.




الثانية هندية - أوروبية. وتشابههما في المفردات نشأ عن مجرد اقتباس الأولى من الثانية لما كان يعوزها من كلمات, واللغة التركية تتفق في قسم كبير من مفرداتها مع الفارسية والعربية، مع أن كل لغة من هذه اللغات الثلاث تعد من فصيلة خاصة، فالتركية من الفصيلة التترية، والفارسية من الهندية - الأوربية، والعربية من السامية، وذلك لاحتفاظ كل منها بقواعد فصيلتها, أما تشابهها في المفردات فقد نشأ عن مجرد انتقال طائفة من كلمات اللغتين الثانية والثالثة إلى اللغة الأولى عن طريق الاقتباس, وعلى هذا الأساس عدت الفارسية الحديثة من فصيلة اللغات الهندية - الأوربية، على الرغم من اتفاقها في كثير من المفردات مع اللغة العربية التي تعد من الفصيلة السامية.



6- وجوه الشبه بين الفصيلتين السامية والهندية -الأوروبية:
ترى طائفة من العلماء أن هاتين الفصيلتين، مع اختلافهما في القواعد، تتفقان في كثير من أصول الكلمات, ومن أشهر أفراد هذه الطائفة: الأساتذة: كلايرت, وبوب, وهمبلت, واوالد, وبنفي, ولاسن, وبوت, وكيل, وبونسن, وليبسيوس, وفورست, وديليتزش1.
Klaproth, Bopp, Hunbodlt, Ewald, Benfey, Lassen, Pott, Keol Bunseen, Lepsius, Furst, Delitzsch
وقد أوغل كثيرًا في هذا السبيل الأستاذان فورست وديليتزش، فلم يغادرا أصلًا من أصول الفصيلة السامية إلّا كشفا عما يشبهه صوتًا ودلالة من أصول الفصيلة الهندية - الأوروبية.

1 من بين هؤلاء من كشف عن وجوه الشبه بين جميع أفراد الفصيلة الأولى وجميع أفراد الفصيلة الثانية، ومنهم من كشف عن وجوه الشبه بين بعض لغات الفصيلة الأولى وبعض لغات الفصيلة الثانية، كالعلامة ليبسيوس, الذي كشف عما تتفق في أصول الكلمات السنسكريتية مع أصول الكلمات العبرية.
[جزء / صفحة]




أما تعليل هذه الظاهرة: فقد انقسم هؤلاء العلماء بصدده إلى ثلاث فرق؛ ففريق يعللها بأن إحدى الفصيلتين قد انشعبت عن الأخرى, وظلت محتفظة بأصول مفرداتها, ولكنها سلكت في تكوين قواعدها وجهة تختلف عن وجهة أصلها، فأخذت تبعد عنه في هذه الناحية شيئًا فشيئًا حتى وصل الخلاف بينهما إلى الحد الذي هما عليه الآن. وفريق يذهب إلى أنهما قد تفرعتا عن لغة دثرت ولم يصلنا شيء من آثارها، وأن هذه اللغة كانت متصرفة1 ذات قواعد كاملة التكوين، وأن قواعد كل فصيلة منهما قد سلكت في تطورها طريقًا يختلف عن طريق الأخرى، ولكن كلتيهما ظلت محتفظة بأصول مفردات اللغة التي انشعبتا عنها. وفريق ثالث يرى أن الشعب الذي تفرف عنه الساميون والأريون, كان له في الأصل لغة مشتركة، وأن انقسامه إلى هاتين الشعبتين قد حدث ولغته في الدور الأول من أدوار تكونها إذ لم تكن قد تجاوزت بعد مرحلة اللغات العازلة2 العارية من القواعد، وأن كل شبعة منهما، تحت تأثير عقليتها الخاصة وما كان يكتنفها من شئون طبيعية واجتماعية، قد اتجهت في تكملة لغتها وتكوين واعدها منحى يختلف عن المنحى الذي اتجهت إليه الشعبة الأخرى، ولكن بقي في مفردات كلتيهما كثير من آثار الأصل المشترك3.
غير أن أساس النظرية نفسه، وهو اتفاق الفصيلتين في أصول المفردات اتفاقًا يؤذن بانشعاب إحداهما عن الأخرى أو انشعابهما عن أصل واحد قريب، غير مسلم به من جمهرة المحققين من علماء اللغة.

1 انظر معنى هذه الكلمة بصفحة 115.
2
انظر معنى هذه الكلمة في صفحة 117.
3
نشر الشيخ محمد أحمد مظهر في مجلة الديانات The Review of Religions التي تصدرها باللغة الإنجليزية جماعة الأحمدية في باكستان الغربية بحثًا عنوانه: "اللغة العربية هي أم اللغات جميعًا". وقد بسط نظريته وأدلتها في تسع مقالات نشرت في هذه المجلة من فبراير إلى أكتوبر 1960, ثم أخذ يستعرض أصول طائفة من اللغات الحية والميتة مبينًا انشعابها من أصول اللغة العربية، فطبق نظريته على اللغة السنسيكريتية في عدد نوفمبر سنة 1960، وعلى الإنجليزية في عدد ديسمبر 1960, وتقوم نظريته على الأساس نفسه الذي تقوم عليه النظريات التي نحن بصدد مناقشتها.



وذلك لأن القائلين بهذه النظرية لم يقدموا على صحتها دليلًا يعتد به, فليس من بين وجوه الشبه التي كشفوا عنها بين هاتين الفصيلتين ما ينهض دليلًا قاطعًا على صحة نظريتهم، بل إن كثيرًا منها لينم على ضعفها وبطلانها, فمن ذلك مثلًا ما اعتمد عليه بهذا الصدد الألمانيان فورست وديليتزش؛ فقد ذهبا إلى أن أصول الكلمات السامية كانت قديمًا مؤلفة من حرفين اثنين, ثم زيد فيما بعد على كل أصل منها حرف ثالث1. وعلى أساس هذا المذهب -الذي لا يؤيده أيّ دليل قاطع, بل قامت أدلة قوية على بطلانه- تحايلًا على التقريب بين الأصول السامية والأصول الهندية الأوروبية؛ فاختارا لكل أصل سامي كلمة هندية - أوروبية تقرب منه في أصواتها ودلالتها، وقررا تفرعهما من أصل واحد, ولإثبات ذلك يختاران حرفين تشترك فيهما الكلمتان، ويقرران أن الأصل السامي كان يتألف قديمًا من هذين الحرفين وحدهما, ثم زيد عليهما فيما بعد حرف ثالث، وأن هذا الأصل الثنائي نفسه هو الذي جاءت منه الكلمة الهندية - الأوروبية. ولا يخفى ما في هذه الطريقة الاستدلالية من تحكم وتخمين ومجافاة للروح العلمي ومناهج البحث الصحيح2, ومن ذلك أيضًا ما ذهب إليه ديليتزش بصدد التشابه بين طائفة من مفردات اللغة العبرية من جهة, وطائفة من مفردات اللغتين الإغريقية واللاتينية من جهة أخرى؛ فقد اتخذ من هذا التشابه دليلًا على صحة النظرية التي نحن بصدد مناقشتها، غافلًا عن أن العبرية الحديثة قد اقتبست كثيرًا من مفردات الإغريقية واللاتينية, ومن الغريب أن الكلمات

1 قد قال بهذا من قبلهما الأستاذ جيزينيوس Gesenius, ومن المتعصبين لهذا المذهب من المستشرقين في العصر الحاضر الأب مرمرجي الدومنكي "انظر كتابة: "هل العربية منطقية، أبحاث ثنائية السنية" وخاصة صفحات 145-150". وقد قال بهذا المذهب نفسه كثير من الباحثين في اللغتين العبرية والعربية وفي الساميات منهم: فارس الشدياق في كتابه: "سر الليال في القلب والإبدال". وقد زعم الأب إنستاس الكرملي أنه زعيم هذا المذهب. انظر تفصيل هذا كله في كتاب الأب مرمرجي الدومنكي السابق ذكره صفحات 156-160, وانظر فيما يتعلق بأصول الكلمات السامية وأصول الكلمات الهندي - الأوروبية, صفحات 217-222.
2
انظر في الرد على هذه النظرية.
Renan: Langues Semitiques, p. 448 et suiv






التي ذكرها للاستدلال على مذهبه, هي ذاتها من أشهر ما اقتبسته العبرية الحديثة من هاتين اللغتين, وآخرون من المؤيدين لهذه النظرية يعتمدون في إثبات التشابه بين مفردات الفصيلتين السامية والهندية - الأوروبية على كلمات تكاد تتفق في جميع اللغات لانحدارها من الأصل الأول الذي نشأت منه اللغة الإنسانية، وهو أصوات الحيوان ومظاهر الطبيعة والأصوات التي تحدثها الأفعال وأصوات التعبير الطبيعي عن الانفعالات وما إلى ذلك. وغنيٌّ عن البيان أن كلمات هذا شأنها لا تدل على ما يذهب إليه أصحاب هذه النظرية من انشعاب إحدى الفصيلتين على الأخرى, أو انشعابهما عن أصل قريب, وبعض المؤيدين لهذه النظرية يعتمد في إثبات القرابة بين الفصيلتين على وجوه شبه بعيدة بين مفرداتهما, أو على تقارب جاء عن طريق الصدفة والاتفاق. وقصارى القول: لا نكاد نجد من بين الأدلة التي اعتمد عليها أصحاب هذه النظرية ما يستحق المناقشة، فضلًا عن أن ينهض حجة قاطعة على صحتها.




















































































































0 comments:

Copyright © 2013. BloggerSpice.com - All Rights Reserved
Customized by: MohammadFazle Rabbi | Powered by: BS
Designed by: Endang Munawar