الظاهرة الصرفية ونظرياتها
الظاهرة
الصرفية ونظرياتها
الفصل الأول
OLEH : ENDANG MUNAWAR, M.PD.I
مقدمة
أ.
خلفية البحث
الحمد لله الذي
صرف عنا السوء وصرفنا عنه وما كنا لنعلمه لولا أن بينه الله لنا والصلاة والسلام على رسول الله خير البرية وعلى أله ومن والاه.
لقد خطر ببال باحثي المقالة أن ما ذكر في كتاب النظرية اللغوية مما ألفه الأستاذ
الدكتور محمد عبد العزيز عبد الدايم له اهتمام كبير في مجال الصرف من نظرياتها
وظواهرها.
إن البحث عن النظرية اللغوية الصرفية
تعالج التركيب الصرفي في المقام الأول وتختلف عن النظرية النحوية يرجع إلى تسليمنا
بضرورة أن تكون للصرف نظريته الخاصة به التي يلزم أن تختلف عن نظرية النحو العامة،
لأن موضوع الدراسة أو الظاهرة التي يتناولها العلمان جِدُّ مختلفة، إذ يقوم النحو
على دراسة التركيب النحوي المتمثل في الجمل فضلا عن النص الذي فصل عن دراسة تركيب
الجملة، وجعل فرعا مستقلا على حين يقوم الصرف على دراسة تركيب الكلمة.
إن نظرة فاحصة
لموضوعات الدرس الصرفيّ توقع في قنوات متشابكة من الصِّيغ تدخل كل منها على الأخرى
تارة وتختلف عنها معنى أو مبنى تارة أخرى.[1]
والحقيقة أن المقارنة بين
الدرسين اللغويين العربي والغربي المعاصر تمثل نقطة جدل شديد بين اللغويين الذين
يأخذون موقفين متقابلين. يقرر بعض اللغويين التشابه بين هذين الدرسين اللغويين من
خلال بعض المفاهم التي تتصل بالدرس الصرفي، وتعالج ظاهرة التعدد كمفهوم الأصل
والفرع ونظرية العلامة. والحقيقة أن ربط مفاهيم التعدد في التراث العربي بمفاهيم
التعدد في الدرس اللغوي المعاصر يبرز على نحو كبير في الربط بين المفاهيم التي
تطرحها نظرية الأصالة والفرعية في التراث اللغوي العربي.
تعد على أية حال، ظاهرة تعدد الوحدات
اللغوية من أبرز ما عني به الدرس اللغوي التراثي مثلما يعنى بها الدرس اللغوي
الحديث اليوم. إن هذا يعرض المفاهيم اللغوية العربية والغربية التي تعالج مشكلة
واحدة معا للوصول إلى مدى التشابه والتخالف بين الممفاهيم المتقابل أو المتشابهة،
كتشابه
مستل في قولك:
(هذا الرجل
مُسْتَلٌّ لأعمال غيره) اسم فاعل
(هذا التقرير
مُسْتَلٌّ من أطروحة علميَّة) اسم مفعول[2]
ستقوم هذه
المقالة بعرض هذه النظرية الصرفية التي تقابل نظريات النحو الشائعة. يتناول هذا
البحث على ظواهر الصرف العربي وأنظمتها ونظرياتها وتطبيقاتها في مجال الدرس الصرفي
العربي.
ب. أسئلة البحث
انطلاقا من خلفية البحث السابقة، يمكن
للباحث أن يقدم أسئلة البحث التالية :
1-
ما هي الظواهر الصرفية ؟
2-
ما هي الأنظمة الصرفية ؟
3-
ما هي النظرية الصرفية ؟
4-
كيف
تكون مناهج النظرية
الصرفية للتحليل ؟
ج.
أهداف البحث
أما الأهداف المنشودة في
هذا البحث فيما يلي :
1- معرفة الظواهر الصرفية ؟
2- معرفة الأنظمة الصرفية ؟
3- معرفة النظرية الصرفية ؟
4- معرفة كيفية مناهج النظرية
الصرفية للتحليل ؟
الفصل الثاني
المبحث الأوّل : الظواهر الصرفية
أ-
الظاهرة الصرفية الكلية :
المراد بالظاهرة الصرفية الكلية هو الصرف
كله بوصفه مستوى لغويا مقابلا للمستويات اللغوية الأخرى.
1-
موضوعها العام وأساسها (التعدد)
إذا كان من المقرر قيام الصرف على دراسة
الإشتقاق والتصريف والتركيب مزجيا أو عدديا فإن ذلك يعني ما يلي :
أ-
أنه يقوم بدراسة تغيير الكلمات صرفيا،
وهو التغيير الذي يقوم في صياغتها، وأنه يخالف بذلك النحو الذي يقوم بدراسة تركيب
الكلمات نحويا.
ب-
أن العلاقات التي يدرسها الصرف تتمثل في
علاقات تغيير الصياغة وهي كما لا يخفى، تختلف عن العلاقات التي يدرسها النحو،
والتي تتمثل في علاقات تركيب الكلمات نحويا.
ج- أن أطراف العلاقة الصرفية
تمثل الأطراف المتقابلة لعملية التغيير الصرفي، وهي تختلف عن أطراف العلاقة
النحوية التي تتمثل في أطراف علاقة التركيب الحوية، والتي يتشكل منها التركيب
النحوي.
د-
أن تقابل أطراف عميلة التغيير الصرفي
ينتج ظاهرة التعدد، إذ نجد صيغا صرفية قبل التغيير الصرفي تقابلها صيغ صرفية أخرى
بعد التغيير الصرفي كصيغة المصدر في مقابلة صيغ الفعل، والمشتقات التي تؤخذ
بالإشتقاق من المصدر، وكصيغة المفرد في مقابلة صيغ المثنى والجموع التي تؤخذ من
المفرد بالتصريف. وهذا بخلاف النحو الذي يهتم بطاهرة التركيب النحوي الذي ينتجه
علاقات التركيب النحوية التي تقوم بين المفردات.
ه-
أن التعدد يُفسَّر بجعل بعذ الصيغ أصولا
وأخرى فروعا، مما يعني قيام التعدد متى قام تفسير الأصالة والفرعية، وكأن التعدد
والأصالة والفرعية وجهان لعملة واحدة، فالتعدد هو الظاهرة التي تقع في اللغة،
والأصالة والفرعية هي التفسير الذي يقدمه الصرفيون لهذه الظاهرة. ومن ثمّ يلزمنا
الإنتباه إلى قيام التعدد كلما ورد ذكر للأصالة والفرعية.[3]
ويراد
مما سبق بأن يُأَكَّد على عدة أمور، وهي:
أ-
أن الدرس الصرفي يقوم بدراسة العلاقات
الصرفية بين كلمات أخذ بعضها عن بعض، على حين يقوم الدرس النحوي في المقابل بدراسة
العلاقات النحوية التي تكون بين الكلمات التي تُشكَّل تركيبا نحويا صحيحا.
ب-
أن الفرق الأساسي بين العلاقات الصرفية
والعلاقات النحوية يتمثل في أن الأولى علاقات تغيير الصياغة تسجَّل الثابت
والمتغير في صياغة الكلمات، وتكون بين الكلمات أخذ بعضها من بعض بالاشتقاق أو
التصريف، أما الثانية فهي علاقات تركيبية تربط عناصر التركيب بعضها ببعض لتكوين
المركب النحوي الصحيح، إذ تكون العلاقات النحوية بين عناصر تركيب نحوي واحد
وتربطها لتُكَوِّنَ منها تركيبيا نحويا صحيحا.
ج-
أن ظاهرة التعدد عي الظاهرة الأساسية
التي تشكل موضوع الدرس الصرفي، فإنَّ أخذ صيغة من أخرى اشتقاقا أو تصريفا يستلزم
صيغا متعددة تنشأ بسبب هذا الأخذ.
إن القول بالتعدد يحتاج إلى جمعِ أكثر من
وحدة لغوية أو حتى أكثر من صورة للوحدة اللغوية معاً وافتراض علاقة بينها.
إن ظاهرة التعدد في اللغة تمثل الظاهرة
التي تقوم بدراستها بشكل رئيسي النظريةُ الصرفية نظرا لكون الصرف يقوم على دراسة الاشتقاق
والتصريف اللذين ينتجان صيغا بينها علاقات. وهو الأمر الذي سنفصل فيه القول في
الحديث عن هذه النظرية الصرفية.
وتتجلى ظاهر التعدد في اللغة في عدد من
وحدات اللغة، وهي تحتاج إلى تفسير حين لا يعكس التعدد اختلافا في المعنى، يقول بعض
اللغويين في ذلك : ((ولسنا ندهش حين نجد تعدد الصيغة يقترن بخلاف المعنى أو حين
تنتمي كل صيغة من تلك الصيغ المتعددة إلى بيئة معينة من بيئات العرب القدماء إلا
أن هذا التعدد قد نجده في الصيغة رغم اتحاد المعنى)).[4]
1-
نطاقها
المعالجة بخصوص نطاق الظاهرة الصرفية
الكلية أمرين، هما ما يقع ضمنها وما لا يندرج فيها، وذلك كما يلي:
أ-
ما يندرج فيها
لا تختلف حدود الظاهرة الصرفية في الصرف
العربي عنها في نظيره الغربي، إذ تقوم الظاهرة الصرفية في الدرس الصرفي العربي في
تغييرات الكلمة التي تؤدي إلى تغيير المعنى، كصياغة المشتقات والتثنية والجمع
والتصغير ونحوها، والتي لا تؤدي إلى تغيير المعنى كالإعلال والإبدال والقلب
ونحوها.
ب-
ما لا يندرج فيها
مما يتصل بنطاق الظاهرة الصرفية
التغييرات الفونولوجية والمبنيات ومسائل التمرين، وهو من القضايا التي اُنتقِد بها
الصرف العربي، ومن ثم يحتاج موقفهم إلى تحقيق وتفسير علمي مقبول.[5]
ب-
الظواهر الصرفية الجزئية :
يتناول هذا المبحث ثلاثة تصورات أساسية
تتصل بالظواهر الصرفية الجزئية، وتتمثل في تصورات النظرية الصرفية لكل من الوحدة
والتركيب والعملية، وذلك على ما يلي:
1-
الوحدة
أ-
في الدرس الصرفي الغربي.
ترددت الوحدة الصرفية في الفكر اللغوي
الغربي بين الكلمة والمورفيم morpheme الذي يرجع إلى
اللفظ اليوناني morp الذي يعني صيغة. وقد ورد المورفيم وحدة اللغة الدلالية الصغرى بعد
الكلمة مع الفكر اللغوي الأمريكي فلقد شكل المرفيم في اللغويات الأمريكية مع
الفونيم وحدة التحليل الأساسية.
وقد جاء تطور هذا المفهوم في الدرس
اللغوي بأن "توصل لغويون كثيرون، وبصفة خاصة في أمريكا إلى أن الكلمة لم تكن،
أو على الأقل ليست بالضرورة، الوحدة الأساسية للنحو، بل يجب أن نبحث عن شيئ آخر
أصغر من الكلملة".
أن عناصر اللغة الدالة حقيقة هي كل من
الكلمات وأجزاء الكلمات ومجموعات الكلمات، واقترح أكثر من ذلك، وهو أنه ينبغي أن
تحلل الكلمات sings و singer ، على أنها وحدات
زوجية مركبة من جزئين. وتعريف المورفيم الدقيق هو صيغة لغوية لا تحمل شبها صوتيا
دلاليا جزئيا بأي صيغة أخرى.
ب-
في الدرس الصرفي العربي.
دار حديث اللغويين العرب عن الوحدة
اللغوية الصرفية حول الكلمة، فلم يتحدثوا عن وحدة دلالية أصغر من الكلمة، وغاية ما
هناك أن لهم حديثا عما يعرف في درسنا اللغوي بالعلامات وهو يكشف عن وعيهم بقيام
العلامة بزيادة دلالة على دلالة الكلمة وبأن الكلمة أصبح لها جزآن دلاليان.[6]
2-
التركيب
تتمثل أنماط تركيب الكلمات في اللغة
العربية في ثلاثة أنماط وهي ترد على النحو التالي:
أ-
تركيب بالعلامات
يظهر ذلك في كلمة مثل
"الطالبتان" تركبت من مجموعة من العلامات الصرفية، وهي عبارة عن أداة
التعريف "ال" وتاء التأنيث وألف ونون التثنية أضيفت على جذع الكلمة، وهو
لفظ "طالب". ويرد هذا النمط من التركيب الصرفي في العربية في أكثر حالات
تصريف الأسماء الذي يكون بالتأنيث والتثنية وجمعي التصحيح والنسب.
ب-
تركيب بالعمليات (بالتغيير الصرفي)
يظهر تركيب الكلمات صرفيا بالعمليات في
كلمة مثل "قاضٍ"، إذ وردت فيها جملة من العمليات الأولى الزيادة، وتمثلت
في زيادة الألف ثانية، وثانية إعادة تحريق أصول الكلمة، وتمثلت في فتحة للفاء
وكسرة العين، والعملية الثالثةهي الحذف، وتمثلت في حذف لام الكلمة.
ويرد هذا التركيب في اللغة العربية مع
المشتقات بالإضافة إلى بعض حالات تصريف الأسماء وهي جمع التكسير والتصغير.
ج-
تركيب مطلق غير قياسي
يظهر تركيب الكلمات بشكل مطلق في كلمة
مثل أنا التي تتحول إلى نحن، فلا نجد سلوكا محددا لتركيب أي منهما.
ويمكن أن يستفاد من إخراجهم للمبنيات من
الصرف، وجعلها على محيط دائرة الصرف، وجعلهم في قلب دائرة الصرف الكلم ذوات
العلامات أو ذوات الأوزان أن تصورهم للتركيب الصرفي للعربية يرد على النحو التالي:
كلمات اللغة
يعني هذا المخطط أن التركيب الصرفي العربي للعربية قد جاء كما
تفيد النظرية الصرفية العربية على صور متعددة.
3-
العمليات الصرفية
ترد جملة من التغييرات الصرفية التي يلزم
الدرس الصرفي رصدها وبيان قواعدها وذلك من خلال مناهج التحليل المناسبة لرصدها،
ويلزمنا أن نرصد هذه التعبيرات قبل الحديث لاحقا عن مناهج تحليلها.[7]
المبحث الثاني: الأنظمة الصرفية
فقد عالج اللغويون العرب
ظاهرة التعدد في العربية من خلال نظرية صرفية شاملة عرفت في درسنا اللغوي بنظرية
الأصالة والفرعية، واشتملت على نموذج أساسي، ونماذج أخرى تكميلية للنموذج الأساسي،
أو بديلة عنه. وقد كان السبب في تعدد النماذج التي اشتملت عليها نظرية الأصالة
والفرعية وجود أنظمة مختلفة لظاهرة التعدد التي تتكفل بها هذه النظرية.
وإذا وفقنا مع تصور
الصرفيين العرب لأنظمة التعدد في العربية وجدناهم يصرحون بنوعين من الأنظمة، هما
نظامًا الاشتقاق والتصريف، إذ الاشتقاق يُوَلِّدُ تعددا في الصيغ لأن يوجد مثلا
صيغا للأفعال والمشتقات في مقابلة صيغ المصدر، كما أن التصريف يوجد، مثلا صيغا
للمثنّى والجمع في مقابلة المفرد.
وقد نصوا على علاقة
الاشتقاق والتصريف بالأصل والفرع، يحكي بعضهم عن علاقة الاشتقاق بالأصل والفرع،
يقول "وقد قال الرماني، الاشتقاق اقتطاع فرع من أصل يدور في تصاروفه الأصل،
وهذا يحصل منه معنى الاشتقاق"، كما لا يخفى نصهم على أن صور التصريف المختلفة
فرع أصولها، يقول بعضهم عن صورة التأنيث: "هذا باب التأنيث لما كان التأنيث
فرع التذكير احتاج لعلامة".
والحقيقة أن الاشتقاق
والتصريف يرجعان إلى نظام واحد للتعدد، إذ كلاهما يمثل تعددا بين وحدات لغوية
متقابلة، فالتعدد في الاشتقاق لوجود مصدر بإزاء فعل أو مشتق عامل، والتعدد في
التصريف لوجود مفرد بإزاء مثنى أو جمع.
وفيما يلي بيان الأنظمة
اللغوية التي ترد عليها ظاهرة التعدد في اللغة:
1-
تعدد صيغ الوحدة لا الوحدة نفسها.
يمثِّل هذا النوع تعددا لصور الوحدات، لا
تعددا للوحدات نفسها، وهو يمثِّل تعدد التفرع (ينتج فروع وحدة واحدة) وهو يمثل
صورة من صور التعدد اللغوي، وهي تمثل في وجود "صيغ متعددة تجمعها وحدة
واحدة" فهي فروع للوحدة اللغوية ومن ثمّ يسميه البحث تعدد التفرع، نحو علامة
الرفع التي تتحقق في أكثر من صورة تتمثل في الضمة والواو والألف وثبوت النون.
2-
تعدد الوحدات نفسها لا صورها (ينتج
تقابلا أو تشابها).
يمثل تعدد الوحدات نفسها صورة أخرى من
صور التعدد في اللغة، وهو يشتمل على صورتين فرغيتين، وهما:
أ-
تعدد التقابل (ينتج فروع علاقة)
يتمثل تعدد التقابل في وجود "وحدات
مختلفة تجمعها علاقة واحدة" كأن تتقابل صيغ على طرفي علاقة الاشتقاق أو
التصريف، مثل ورود المصدر أصلا يقابله على طرف الاشتقاق الآخر الفعل، ومثل ورود
المفرد أصلا يقابله على الطرف الآخر من علاقة التصريف المثنى والجمع.
ب-
تعدد التشابه (ينتج فروع باب أو حكم).
يجمع اللغويون الوحدات التي تشترك في عمل
واحد معا، ولكنهم لا يجعلون بعضها فروعا على بعض، وإنما يجعلونها وحدات متوازية،
أو بتعبيرهم يجعلونها أخوات، أي سواء في الحكم. لاحِظْ، مثلا، تسميتهم للأدوات
التي ترفع الاسم وتنصب الخبر "كان وأخواتها، وتسميتهم للأدوات التي تنسب
الاسم وترفع الخبر "إن وأخواتها". وهم لا يفرقون بين هذه الوحدات
المختلفة إلا بتمييز رأس الباب بتسميته أم الباب إشارة لما له من بعض تميز في
الأحكام يتقدم بها على غيره، كما لو كان أصل الباب.
والحقيقة أن تغيير أم الباب يشير إلى شيء
قريب من الأصل دون أن يكون هو الأصل بعينه، فهم لا يجعلونها أصلا للباب، ولا
يجعلون ما دونها فروعا، إذ ليست هذه الوحدات مأخوذة بعضها عن بعض، وكل ما شابهت
فيه الأصل فقط بعض تميز في الحكم، كما سبقت الإشارة إليه.[8]
المبحث
الثالث: النظرية الصرفية
المقصود بالنظرية الصرفية في سياق ما نحن بصدده هنا هو في عبارة موجزة، السؤال الرئيس الذي جاء علم الصرف ليجيب عنه، أو لنقل، إنها الفكرة التي تصدى النموذج الصرفي لحلها في حقل المفردة مقابل الأفكار الأخرى في حقل الجملة وحقل النص التي تصدت
لها النماذج الأخرى، ومع أن علم الصرف كان في البدء جزءاً من علم النحو، لم يلبث أن أصبح نموذجاً مستقلاً يختلف عن النموذج النحوي، وله نظريته الخاصة. ومن الطبيعي
بالتأكيد أن تختلف نظريتا العلمين باختلاف طبيعة كل واحد منهما عن الآخر، وباختلاف
القضايا التي يعنى بها كل منهما. ومع
ذلك جاءت بعض دراسات المعاصرين الصرفية
متأثرة بنظيراتها النحوية، ومطابقة لها أحياناً. فالكتابة عن المدارس الصرفسة لا تخرج عن الكتابة عن المدارس النحوية، وأصول الصرف مقيدة بأصول النحو، أو هي فرع عليها[9]. وهكذا يذكرون فيما يشبه العادة عند الحديث عن الدرس الصرفي العربي وتأريخه ومناهجه
ومسائله، مدرستي البصرة والكوفة، ومصطلحات أهل البلدين، والخلاف بينهما. إلخ،
على وفق ما اعتادوا ذكره في الدرس النحوي[10].
غير أن بعض الدراسات المحدودة اتجهت إلى النظر في النظرية الصرفية بصورة مستقلة عن
نظيرتها النحوية، وحاولت تعيين ملامح هذه النظرية وأركانها الرئيسة. من
ذلك ما تناوله محمد عبد العزيز عبد الدايم في كتابين هما نظرية الصرف العربي: دراسة في المفهوم والنهج و النظرية اللغوية في التراث العربي أما الأول فقد خصصه كاملاً لمحاولة تحديد ملامح النظرية الصرفية، وأما الأخير فقد تناول في فصلٍ منه نظرية الصرف في ضمن النظرية اللغوية عامة، مع شيء من التعديل عما كانت عليه في الكتاب الأول. ويعد الكتابان معاً من المحاولات الرائدة في تناول طبيعة الدرس الصرفي بعيداً عن التأثر بالنحو وبطبيعة
الدرس النحوي، كما يعدان أيضاً بحق جهداً فريداً لم أقف على مثله في محاولة بلورة أسس النظرية الصرفية التي بناء عليها تتضح بالضرورة صورة ما معينة للنموذج التراثي الصرفي. وسأقف إجمالاً لا تفصيلاً مع الأركان التي رأى عبد الدايم أن علم الصرف العربي
التراثي قام عليها، وسأناقش هذه الأركان آملاً أن تتضح من خلال المناقشة رؤية أسس النظرية الصرفية كما تروم هذه الورقة تقديمها.
يرى عبد الدايم أن هناك ثلاثة وسائل اعتمدها علماء الصرف يمكن تسميتها بنماذج للتحليل
الصرفي، هي: الجدوال التصريفية
و العلامة والميزان الصرفي،
إذ يسلك الصرفيون العرب طريق الجداول التصريفية لضبط تغييرات الضمائر ونحوها من المبنيات، ويلجؤون إلى وسيلة العلامة لضبط بعض تغييرات التصريف كالتثنية والجمع السالم، ويعمدون إلى الموازين الصرفية لضبط تغييرات المشتقات وجمع التكسير.[11]
غير أنه يقرر في الوقت نفسه أن منهج الجداول التصريفية قد أُخرجت تطبيقاته من الدرس الصرفي على أساس أن ليس لها طريق صرفي تتم من خلاله، وليس لها قانون صرفي عام تخضع له، وقد جعلوا
كل تغييرات البنية التي على هذا النحو من غير الدرس الصرفي، إلا أننا نراها من الصرف؛
لأن الدلالات التي تأتي من ورائها دلالات صرفية... ونرى أن عدم ورود طريق وقانون
صرفيين لا يستلزم إخراجها من الصرف.[12]
وبناء على إخراجه المبنيات والضمائر من الرؤية الصرفية يتعين أن نقول إن وسيلة الجدوال لم تكن من بين الوسائل المعتمدة في المعالجة الصرفية، ولذا لم تكن من بين أسس علم الصرف وأركانه الرئيسة، حتى إن قلنا مع عبد الدايم إنه كان ينبغي أن تكون كذلك؛ لأن حديثنا هنا عما كان لا عما ينبغي أن يكون، وكذا إن قلنا إن الضمائر والمبنيات قد عولجت وفق ما يقتضيه نموذج الجداول في مباحث نحوية أو مختلطة بالنحو، وبعدم الاعتماد على منهج
الجداول التصريفية يفارق الصرف العربي نظيره الغربي الذي اعتمد عليه على نحوٍ ما.
أما المنهج العلامة الذي يمكن عده من الناحية النظرية صالحاً لضبط اللواحق التي لا تُخرج
الكلمات المتصلة بها عن أوزانها الصرفية فلا نرى أنه مما اعتمده الصرفيون أساساً في التحليل الصرفي بحيث يمكن جعله ركناً من أركان النظرية. إذ لحظنا في تدرج علم الصرف
فيما سبق أن الصرفيين العرب قد اقتصروا أول الأمر على مفهوم التصريف الذي يستبعد من الأبواب كل ما عدا الأبنية وتغييرات الإعلال وشبهها، ثم لم يلبثوا أن أدرجوا أبواب التكسير والتصغير والنسب ونحوها لأسباب معينة لا علاقة للعلامة بها كما سيتضح. أما علامات التثنية وجمع التصحيح فلم يعنوا بها إلا حين يؤدي دخولها إلى تغير بنية الكلمة لا غير، كما في تثنية المقصور والممدود والمنقوص، وجمعها جمع تصحيح، وكذا لم يعنوا في جانب اتصال الأفعال بالضمائر وبنون التوكيد مثلاً إلا من جهة ما يلحق بالفعل من تغيير عند اتصاله بها، لا من جهة كونها علامات ولواصق. وبعدم اعتماد منهج العلامة أيضاً يفارق الصرف العربي نظيره الغربي الذي اعتمد العلامة بوصفها وحدة صرفية مورفيم لضبط تغيرات الكلمة، وذلك بصورة شبه كلية، إلى جانب منهج الجداول المتحدث عنه آنفاً.
وأما ثالثُ المناهج، وهو الميزان
الصرفي، فهو فيما نرى الركن الرئيس الأوحد الذي ارتكزت
عليه نظرية الصرف العربي وبناء عليه اتخذ النموذج الصرفي صورته التي بدأ بها عند الأوائل. ونعتقد أن كثيراً مما عرضه عبد الدايم في منهج الموازين الصرفية إنما يعضد القول بأنه الركن الرئيس الجوهري في النظرية، وإن تحدث الباحث عنه بوصفه معضوداً بمنهجي
الجداول التصريفية والعلامة لا أنه الوحيد.
وقد
لحظ بعض الغربيين تفرد الصرف العربي في منهجه التحليلي
وتميزه
عن غيره حين اتخذ الميزان الصرفي أساساً تنطلق منه كل المباحث الصرفية وإليه تؤول[13]. ولاعتماد علم الصرف العربي في تحليل البنية على منهج الميزان الصرفي دون غيره أسباب موضوعية
تنبع
من طبيعة اللغة العربية الاشتقاقية، وكذلك من طبيعة التصور الفونيمي الذي قام في أذهان اللغويين العرب للكلمات ومكوناتها من الحروف والحركات، وقد ذكرنا أن تجليات هذا التصور
ظهرت في علوم العربية كافة (الكتابة والمعجم والنحو والصرف) مما لا يمكن فصل بعضه
عن بعضه الآخر فصلاً تاماً.
أ-
الفرض العام للنظرية الصرفية
يعرف موضوع الدرس الصرفي أنه ظاهرة
التعدد التي تنشأ من تغيير الصيغة لإنتاج صيغة من
أخرى بالاشتقاق أو التصريف أو التركيب مزجيا أو عدديا. وتنبني النظرية
الصرفية التي تدرس ظاهرة التعدد في الصيغ على أحد فروض ثلاثة، وهي :
- أصالة بعض الصيغ وفرعية البعض الآخر
- أصالة جميع الصيغ
- فرعية جميع الصيغ
ويمكن تفصيل هذه الفروض
الثلاثة على النحو التالي :
1-
أصالة جميع الصيغ دون أخذ بعضها من بعض :
لا يرد هذا الموقف في
الدرس الغربي المعاصر فقط، بل يرد في كل من التراث العربي والدرس الغربي المعاصر
على السواء. يمثل ابن حزم أبرز الذين تبنوا نفي فكرة الأصالة والفرعية في تراثنا
اللغوي، يقول " قولهم كان الأصل كذا فاستثقل، فنقل إلى كذا شيء يعلم كل ذي حس
أنه كذب لم يكن قط، ولا كانت العرب عليه مدة، ثم انتقلت إلى ما سمع عنها بعد
ذلك" .
وقد ورد نفي الفرعية
مطلقا، وجعل الصيغ كلها أصلية في الدرس اللغوي الغربي في المرحلة الوصفية المبكرة
من على أساس أن فكرة كون بعض الصيغ أكثر أساسية من بعض فكرة.
2-
أصالة بعض الصيغ وفرعية البعض الآخر :
يتحقق هذا في مذهب
اللغويين الذين يقولون بالأصالة والفرعية من العرب، وهو أيضا المذهب الذي عدل إليه
الدرس الوصفي المعاصر قبل بدء المرحلة التالية.
3-
فرعية جميع الصيغ ( أخذ كل صيغة منها عن
غيرها) :
إن مقتضى هذا الفرض أن كل
صيغة لغوية مأخوذة عن صيغة لغوية أخرى. وهو مذهب ابن حاجب. وهو في الحقيقة بحاجة
إلى دراسة وتحقيق، إذ إنه مذهب لم يقل به أحد غيره.
ب-
نماذج نظرية الأصالة والفرعية
1.
التطبيق الأساسي الصريح (1. نموذج الأصل
والفرع)
كانت نظرية الأصالة والفرعية في التراث
اللغوي العربي تعالج تعدد صور الوحدة الواحدة. ولا تقتصر هذه النظرية في الدرس
الصرفي فحسب بل يتعداه إلى مختلف الدرس اللغوي. تفيد هذه الدراسة مثلا أن النحاة
العرب لما رأو أن الكلمة الواحدة تتغير صورها بحسب تصريفها وإسنادها إلى الضمائر
وتثنيتها وجمعها وتصغيرها...الخ اقترحوا لها أصلا يخضع للتغيير والتأثير بحسب
قواعد معينة، وما إلى ذلك من الأمثلة الكثيرة في هذا المجال.[14] اعتمدت هذه النظرية
على الأسس والمعايير اللغوية الآتية :
أ-
العلامة اللغوية :
صدر اللغويون العرب في جعل
المفرد أصلا دون المثنى والجمع، وجعل المذكر أصلا دون المؤنث عن أساس وجود العلامة
وانتفائها. وبعبارة أخرى ينص اللغويون العرب على رجوع الفرعية في تصورهم اللغوي
الدقيق إلى وجود العلامة. قال ابن يعيش كما اقتسبه عبد الدايم " ولما كان
المذكر أصلا والمؤنث فرعا عليه لم يحتج المذكر إلى علامة لأنه يفهم عند الإطلاق،
إذ كان الأصل". وقال ابن عقيل في شرحه لألفية ابن مالك " أصل الاسم أن
يكون مذكرا، والتأنيث فرع عن التذكير. ولكون التذكير هو الأصل استغنى الاسم المذكر
عن علامة تدل على التذكير. ولكون التأنيث فرعا عن التذكير افتقر إلى علامة تدل
عليه.[15]
ب-
الشرط اللغوي ( التوزيع المقيد )
يحكم اللغويون بأصالة ما يرد مطلقا،
وفرعية ما يتقيد بشرط ما. فما كان توزيعه في التراث العربي مطلقا فهو أصل. وما كان
توزيعه مقيدا فهو فرع. ويتضح هذا من نص النحاة على فرعية ما يرد خاصا بسياقات
معينة في مقابل الأصل الذي يرد مطلقا غير مقيد. لقد أسس اللغويون العرب على وجود
شرط أو قيد مع بعض صور الوحدات دون كون بعضها أصلا. وهو ما يرد بل قيد وكون بقيتها
فروعا. وهي ما تتطلب شرطا أو قيدا زائدا. فمثال ذلك ما يقول بعض اللغويين عن
الإمالة " وهي فرع على التفخيم.
والتفخيم هو الأصل بدليل أن الإمالة تفتقر إلى أسباب توجبها. وليس التفخيم
كذلك. فإن قيل فما الأسباب التي توجب الإمالة قيل هي الكسرة في اللفظ، أو لأن
الألف منقلبة عن الياء أو لأن الألف تنزل منزلة المنقلبة عن الياء أو إمالة
لإمالة، فهذه ستة أبواب توجب الإمالة".[16]
ج-
السلوك اللغوي
يرى اللغويون العرب أن اختلاف بعض الصور
في سلوكها اللغوي يسوغ جعل أحدها أصلا وما سواه فروعا عليه. وهو ما يظهر من
تعبيراتهم التي تبرز التفاوت في السلوك اللغوي بشكل أوجب القول بالتمايز بين
الأفراد بجعل أحدها أصلا وما سواه فرعا. ومثال ذلك قول بعضهم " الأصل يتصرفما
لا يتصرف الفرع" وقول بعضهم " والفرع دائما أضعف من الأصل". فمن
تطبيقهذا القول قول ابن هشام عن أحكام الصفة المشبهة " معمولها لا يتقدم
عليها، لا تقول : "زيد وجهه حسن" بنصب الوجه ويجوز في اسم الفاعلأن تقول
: " زيد أباه ضرب"، وذلك لضعف الصفة لكونها فرعا عن فرع، فإنها فرع من
اسم الفاعل الذي هو فرع عن الفعل، بخلاف اسم الفاعل فإنه قوي لكونها فرعا عن أصل
وهو الفعل.[17]
د-
عموم طرف لغيره
يظهر هذا الأمر من نص اللغويين العرب على
عموم الأصل للفرع في الدلالة. ومن ثم جواز رد الفرع إلى الأصل لا العكس. ومثال ذلك
قول ابن جني : " والصوت مذكر لأنه مصدر بمنزلة الضرب، والقتل والغدر والفقر،
فأما قول رويشد بن كثير الطائي :
ياأيها الراكب المزجي مطيته * سائل بني
أسد ما هذه الصوت
فإنما أنثه لأنه أراد الاستغاثة، وهذا من
قبيح الضرورة أعني تأنيث المذكر؛ لأنه خروج عن أصل إلى فرع، وإنما المستجاز من ذلك
رد التأنيث إلى التذكير. لأن التذكير هو الأصل بدلالة أن الشيء مذكر، وهو يقع على
المذكر والمؤنث فعلمت بهذا عموم التذكير، وأنه هو الأصل الذي لا ينكسر.[18]
ه-
الشيوع
يرى بعض اللغويين أن الشيوع أحد المعايير
التي يحكم بها على صور اللفظ الواحد بكون أحدهما أصلا والبقية فروعا، أفاد
الصرفيون من أن كون أحد الألفاظ مبدلا عن غيره وليس أصلا بنفسه يستفاد من : "
قلة استعمال اللفظ الذي فيه البدل، يعني إذا كان لفظان بمعنى واحد، ولا فرق بينهما
لفظا إلا بحرف في أحدهما يمكن أن يكون بدلا من الحرف الذي في الآخر، فإن كان
أحدهما أقل استعمالا من الآخر فذلك الحرف في ذلك الأقل استعمالا بدل من الحرف الذي
في مثل ذلك الموضع من الأكثر استعمالا. ومن ذلك:
عدّ بعض اللغويين فروعا للوحدات تأسيسا على قلتها وندرتها. وبعبارة أخرى،
فما كان شائعا بين اللغات فهو الأصل، وما كان قليلا أو نديرا أو خاصا فهو الفرع.[19]
2.
التطبيق النماذج التكميلية (2-5. النماذج
الصرفية)
تتكون هذه النماذج من النموذجين الصرفيين
غير أساسيين، وهما التضعيف والقلب المكاني. وتسمى هذه النماذج بالنماذج التكميلية
لأنها تأتي لتطويع المادة المروية لنظام التعدد التي تتمثل في نظرية الأصالة
والفرعية.
فأما النموذج الأول وهو نموذج التضعيف
فيستخدمه الصرفيون العرب للإشارة إلى ورود زيادة لا ترتبط بحرف بعينه، وإنما مع أي
حرف من حروف الكلمة، إذ يمثل التضعيف صورة ثانية من صور ورود أكثر من شكل للوحدة
اللغوية الواحدة. حيث يتمّ التضعيف في أي من أصول الكلمة أيا ما كان همزة كان أو
باء أو غير ذلك. لقد انتبه الصرفيون العرب إلى أن جنس الزيادة متغير بحسب عين
الفعل، مثلا، ولاحظوا في الوقت نفسهأن طبيعة الزائد واحدة، وهي أن الزائد من جنس
العين فجعلوا ذلك نمطا خاصا من الزيادة، وهو الزيادة بتكرار العين، وجعلوا تكرار
العين هو مرد الدلالة الصرفية الطارئة. وليس حرف الزائد نفسه : وذلك ليكون مرد
الدلالةالصرفية الواحدة شيء واحد، وهو تكرار العين، وليس شيئا مختلفا وهو الحرف
الزائد نفسه.[20]
وأما النموذج الثاني وهو نموذج القلب
المكاني , فهو يمثل منهجا لمعالجة تعدد صور الجذر المعجمي الواحد بسبب تغير موضع
أحدأصوله كما في جذب – جبد, رأى-راء، نأى-ناء،وجه-جاه ويئس – أيس. وقدحفظ هذا
المفهوم الجذر الواحد من أن يجعل جذرين دون ضرورةرة إلى ذلك. ذلك أن كلا من "رأى" و راء" تؤديا
دلالة واحدة، و لا تتصرف "راء"
مثلما تتصرف "رأى".
3.
النماذج البديلة (6-7 النماذج الفونولوجية)
يتمثل النموذجان البديلان غير الأ سا
سيين لنظرية الأ صالة و الفرعية في كل من الإبدال والإعلال. وإنما سميت بالنماذج
البديلة لأنها ترد بدلا من النموذج الصرفي لتفسير التعدد أو الأصالة والفر عية
تفسيرا فونولو جيا لا صرفيا. لذلك تسمي هذه النماذج أيضا بالنماذج الفونولوجية.
فأما
الأول وهو نموذج الإبدال فذكر عبد الدايم بأن اللغويين العرب ينص على علاقته
بالأصالة و الفرعية. قال ابن جني : ((التاء في القسم ... بدل من الواو فيه, والواو
فيه بدل من الباء فلما كانت التاء فيه بدلا من بدل و كانت فرع الفرع اختصت بأشرف
الأسماء و أشهر ها)).
ويمثل
الإبدال مفهوما فونولوجيا لمعالجة اختلاف الحرف الزائد مع ثبات دلالته، إذ يرد تاء
مرة ودالا ثانية وطاء ثالثة، نود أن تختلف الدلالة الصرفية التي تؤديها هذه الزيادة
الصرفية. أي أن الانتقال من التاء إلى الدال أو الطاء مثلا، في صيغ الافتعال لا يخرج التاء عن أداء
وظيفتها. وقد لاحظ الصرفيون العرب أن الدال أو الطاء وما يرد بدلا من التاء يختص
كل واحد منها بسياق فونولوجي خاص كأن تأتي الدال إذا كانت فاء صيغة الافتعال المتقدمة عليها أحد
ثلاثة أحرف الزاء والدال والذال، و كانت
الحروف الثلاثة مجهورة والتاء مهموسة، فقلبت التاء دالا، لأن الدال مناسبة للذال
والزاي في الجهر وللتاء في المخرج فتوسط بين التاء وبينها.
وأما
الثاني وهو نموذج الإعلال-فيعتبر عبد الدايم بأنه جزء من الإبدال، إذ يختص بإبدال
حروف العلة. يمثل بهذا منهجا لمعالجة تعدد صور الجذر المعجمي الواحد بسبب تغير جنس
أحد أصوله علي اختلاف الكلمات الواردة من الجذر كما في هذه الألفاظ : قول-يقول قال-يقال قيل قائل؛ إذ تغير جنس العين في هذه
الألفاظ فقد جاء واوا و ألفا وياء وهمزة وليس بين هذه الكلمات فرق في الدلالة
المعجمية مطلقا، وإنما الفرق الدلالي بينها يتمثل في اختلاف الدلالة الصرفية الذي
يرجع إلى اختلاف الأوزان التي ترد عليها هذه الأ لفاظ.
أخرج نموذج
الإعلال من الميزان الصرفي-كما هو الحال في الإبدال-لوعي اللغويين العرب بأن
الإعلال من قبيل التغييرات
الفونولوجية لا الصرفية. ومن ثم ليس له مكان في الميزان الصرفي الذي هو آلة لضبط
الظاهرة الصرفية ببيان التغييرات الصرفية لا الفونولوجية.
المبحث
الرابع: مناهج النظرية الصرفية للتحليل
أ-
مناهج التحليل
الأساسية
هناك ثلاثة
نماذج أساسية للتحليل في الصرف العربي وهي منهج العلامة، وهي لضبط بعض تغييرات
التصريف كالتثنية والجمع السالم، ومنهج الميزان الصرفي لضبط تغييرات المشتقات وجمع
التكسير والتصغير، ومنهج جداول التصريف لضبط تغييرات الضمير ونحوها من المبنيات. وفيما
يلي حديث موجز عن هذه النماذج الثلاثة.
أ-
منهج العلامة
كان
هذا المنهج أحد النماذجةةة الأساسية لتحليل التركيب الصرفي في الدرس العربي. يقوم
الصرفيون العرب من خلال هذا النموذج برصد التغييرات الصرفية التي تصاحب بعض عمليات
الصرف كالتأنيث بالتاء وأ الألف، والتثنية بالألف و النون والياء
والنون وجمعي التصحيح. بعبارة أخرى، كان هذا المنهج يستخدم في العمليات
الصرفية التصريفية التي تنقل الكلمة من حالة إلى حالة كعملية تغيير الاسم من
التذكير إلى التأنيث، ومن الإفراد إلى التثنية أو الجمع، كما يرد كذلك في عملية
النسب الصرفية التي تتم بزيادة حرف النسب.[21]
ب- منهج
الميزان الصرفي
كان
هذا المنهج يستخدم في الدرس الصرفي العربي منذ سيبوية على رصد الجذور التي تشكل
أساس الكلمات بمعنى أنه يقوم على رصد تغييرات الاشتقاق، إذ يقدم النمط الذي تصاغ
عليه مختلف المشتقات. ومن ذلك بيانه الأوزان التي تكون عليها الأفعال ماضية
ومضارعة وأمرا و المشتقات عاملة وغير عاملة.32 للكلمات العربية أصول
اشتقاقية ثلاثة ولها صيغة صرفية تختلف عن صيغ أخرى لكلمات أخرى. فلما اختلفت الصيغ
و كان كل منها إطارا شكليا لعدد كبير من الكلمة أراد الصرفيون أن يرمزوا لكل حرف
من الأصول الثلاثة برمز يعرف به موضعه من الكلمة فجعلوا الفاء بإزاء الأصل الأول
والعين بإزاء الثاني وجعلوا اللام بإزاء الأصل الثالث فسموا الأول فاء الكلمة والثاني عين
الكلمة والثالث لام الكلمة. فإذا كان في
الكلمة حرف زائد رمزوا له وللحركات بلفظه الحقيقي وهكذا رأينا الموازين الصرفية
التالية :
ضرب على وزن فعل انطلق على وزن
انفعل
اجتمع على وزن افتعل استخرج على وزن استفعل
وهكذا من صور تطبيق منهج الميزان الصرفي.
ج-
منهج جداول المبنيات الصريفية
يقوم هذا النموذج على جمع تصريفات قسم من أقسام الكلم في جدول
يكشف عن أوجه التصريف شخصا ونوعا وعددا. وذلك كأن نجمع صور الضمير وفق الشخص
متكلما ومخاطبا وغائبا , و وفق النوع تذكيرا وتأنيثا، و وفق العدد إفرادا وتثنية
وجمعا, ووفقا لما يرد له من المواقع الإ عرابية من رفع ونصب وجر.
يصلح هذا النموذج في العربية لرصد تغييرات المبنيات من ضمائر و أسماء
الإشارة وأسماء موصولة وأسماء شرط وأسماء استفهام حيث يجمع أفراد هذه الأصناف
ويسجل صورها مع ما يقابل كل صورة من الدلالة.
ب-
مناهج التحليل غير الأساسية
لم تقتصر النظرية الصرفية العربية فى
تحليلها للتركيب الصرفي على هذه المناهج الثالثة
وإنما قدمت جملة أخرى من مناهج التحليل الصرفي. قد استخدم الصرفيون مناهج
تكمل ما يخالف المناهج الأساسية—التى سبق بيانها وتسمى بالمناهج التكميلية. وكذلك
قد استخدم الصرفيون جملة مناهج أخرى مخالفة لنوعي المنهج السابق التى تسمى بالمناهج البديلة .
استخدمت النظرية الصرفية المناهج
التكميلية لبعض ما خرج على المنهج الأساسى. وتتمثل هذه المناهج فيمايلي :
أ-
الاسمية
:
يمكن تسجيل هذا المنهج من
خلال مراجعة ما تقدمه النظرية الصرفية في تحليلها لأقسام الكلم التي عرفت باسم الجمع
و اسم المصدر و اسم الفعل. ويظهر ذلك من هذا المصطلح يستخدم عندما تتخلف الشروط
اللازمة لإجراء العملية الصرفية كالجمع أو
صوغ المصدر أو اشتقاق الفعل : حيث يقال اسم جمع لما دل على الجمع وتخلفت عنه بعض
شروط الجمع. ويفيد مفهوم الاسمية في مصطلح (( اسم جمع )) أن الصرفيين قد جعلوا
دلالة هذه الكلمة على الجمع من قبيل الوضع المعجمي، ولم تستمدها من
المفردات بالعملية الصرفية المعروفة بالجمع. وكذلك الحال في اسم المصدر و اسم
الفعل.
ب- منهج
الإلحاق :
قد ورد هذا المنهج لعلاج ما يخالف
القواعد المنضبطة التي يرصدها منهجا العلامة الصرفي و الميزا ن الصرفي. ومثال ذلك
حيث قال الصرفيون العرب بالملحق بالمثنى و الملحق بجمع المذ كر السالم والملحق
بجمع المؤ نث السالم مع ما ظاهره أنه من قبيل التثنية أو جمع التصحيح، مع أن الحقيقة
ليس كذلك لتخلف بعض الشروط التي تضبط زيادة العلامة. فزيادة علامة التثنية تستلزم
وجود جذع تزيد عليه العلامة. و من ثم يعد كلا وكلتا من الملحق بالمثنى لا من
المثنى. وكذلك الأ مر في الملحق بجمع التصحيح.
ج- منهج القلب المكاني
:
يستخدم اللغويون العرب هذ المنهج في تحليلهم لبعض
الألفاظ التي خرجت عن منهج الأصل المتمثل في الميزان الصرفي. وذلك كما في لفظ
((أيس)) مثلا، لا يخفى ما في هذا اللفظ من خروج عن قواعد الميزان، إذ يتخلف عنه التصريفات
الأخرى، فليس له مضارع ولا مصدر. كما أن
فيه مخالفة في كونها جاءت على التصحيح التي تخالف قوا عد الإعلال التي تقضي بأن
تعل لتحرك الياء و انفتاح ما قبلها. إذن إن القول بالقلب المكاني في هذه الحالة،
هو الذي يفسر عدم ورود تصريفات أخرى للفعل الماضي ((أيس)) ويسوغ ورود هذا اللفظ على
التصحيح مع أن حقه الإعلال وفق قواعد الإعلال الخاصة.
ويستخدم اللغويون
العرب المناهج البديلة بالإضافة إلى المناهج الأساسية والتكميلية ما يلي:
1-
منهج الإعلال
يستخدم
هذا المنهج في تحليل بعض الألفاظ التي خرجت عن المنهج الأساسي المتمثل في الوزن الصرفي.
وذلك كما في نحو لفظ ((قل)). كما هو المعروف أن في هذا
المثال خروجا على قواعد صياغة الكلمة من حيث الوزن، إذ يرد حرف معجمي في هذا اللفظ
على نحو غير مطرد مع أن الأصل وضع جذر واحد في مختلف الأوزان لصياغة كلمات ذوات
دلالية صرفية مختلفة. ويعني ذلك : أن الجذر المعجمي الذي يستخدم في الأوزان
الصرفية لهذه الكلمة ونحوها قد جاء متغيرا بمعنى أن بعض حروفه يتقلب، وذلك كما في
ألف ((قال)) إذ ترد واوا في المصدر ((قال)) و المضارع ((يقول)) وترد ياء في المني
للمجهول ((قيل)) وترد همزة اسم الفاعل ((قائل)) مما يعني أن عين الكلمة حرف متقلب
غير ثابت حيث يتردد بين الواو والياء والهمزة والألف. وقد أخضع الصرفيون تقلب جنس
هذا الحرف وأمثاله لجملة من القوا عد الخاصة التي جمعوها تحت ما يعرف بقواعد
الإعلال في العربية فهي من ثم مجموعة قواعد لمعاجلة بعض ما يخرج عن قواعد الميزان
الصرفي.
2-
منهج الإبدال
وهو
المنهج الذي يستخدمها الصرفيون في تحليل بعض الألفاظ التي خرجت عن المنهج الأساسي
المتمثل في الوزن الصرفي. ومثال ذلك كما في نحو ((اصطبر)). كماهو المعروف أن في هذا اللفظ خروجا عن قواعد
صياغة الكلمة من خلال الوزن الصرفي، إذ نجد حرفا من حروف الزيادة الصرفية في هذه
الكلمة متغيرا كذلك. إذ هناك حرف الطاء في كلمة اصطبر وهو مما لا يعد من حروف
الزيادة الصرفية التي يجمعها الصرفيون في قولهم "سألتمونيها"، كما أنه
ليس من حروف الجذر المعجمي للكلمة ((اصطبر)). وقد قال الصرفيون العرب بأن تاء الافتعال
التي تعد من حروف الزيادة الصرفية قد صارت طاء في هذه الكلمة ونحوها. وقد أخضع
الصرفيون تقلب تاء الافتعال هذا أو مثاله لجملة من القواعد الخاصة التي جمعوها تحت
ما يعرف بقواعد الإ بدال، فهي مجموعة قواعد ثانية لمعالجة ما يخرج عن قواعد الميزان
الصرفي.
ويرجع التفرق بين هذين
النمطين غير الأساسيين إلى عدم خروج النمط الأول من إطار القواعد والقوانين
الصرفية بخلاف الثاني الذي يعتمد على التفسير الفونولوجي. ويمكن
إعادة عرض مناهج التحليل وفقا لهذا على النحو التالي:
الفصل الثالث
الخاتمة
بعد أن قدم الباحث المقالة السابقة، يمكن
للباحث أن يستخلص ما يلي :
1-
أن الدرس الصرفي يقوم بدراسة العلاقات
الصرفية بين كلمات أخذ بعضها عن بعض، على حين يقوم الدرس النحوي في المقابل بدراسة
العلاقات النحوية التي تكون بين الكلمات التي تُشكَّل تركيبا نحويا صحيحا. أن
الفرق الأساسي بين العلاقات الصرفية والعلاقات النحوية يتمثل في أن الأولى علاقات
تغيير الصياغة تسجَّل الثابت والمتغير في صياغة الكلمات، وتكون بين الكلمات أخذ
بعضها من بعض بالاشتقاق أو التصريف، أما الثانية فهي علاقات تركيبية تربط عناصر
التركيب بعضها ببعض لتكوين المركب النحوي الصحيح، إذ تكون العلاقات النحوية بين
عناصر تركيب نحوي واحد وتربطها لتُكَوِّنَ منها تركيبيا نحويا صحيحا.
2-
أن الاشتقاق والتصريف يرجعان إلى نظام
واحد للتعدد، إذ كلاهما يمثل تعددا بين وحدات لغوية متقابلة، فالتعدد في الاشتقاق
لوجود مصدر بإزاء فعل أو مشتق عامل، والتعدد في التصريف لوجود مفرد بإزاء مثنى أو
جمع. يمثِّل هذا النوع تعددا لصور الوحدات، لا تعددا للوحدات نفسها، وهو يمثِّل
تعدد التفرع (ينتج فروع وحدة واحدة) وهو يمثل صورة من صور التعدد اللغوي، وهي تمثل
في وجود "صيغ متعددة تجمعها وحدة واحدة" فهي فروع للوحدة اللغوية ومن
ثمّ يسميه البحث تعدد التفرع، نحو علامة الرفع التي تتحقق في أكثر من صورة تتمثل
في الضمة والواو والألف وثبوت النون.
3-
وتنبني النظرية الصرفية التي تدرس ظاهرة
التعدد في الصيغ غلى أحد فروض ثلاثة، وهي :1. أصالة بعض الصيغ وفرعية البعض الآخر،
2. أصالة جميع الصيغ، 3. فرعية جميع الصيغ. اعتمدت نظرية الأصالة والفرعية على
الأسس والمعايير اللغوية الآتية :
-
العلامة اللغوية :
-
الشرط اللغوي ( التوزيع المقيد )
-
السلوك اللغوي
-
عموم طرف لغيره
-
الشيوع
4-
هناك ثلاثة
نماذج أساسية للتحليل في الصرف العربي وهي منهج العلامة، وهي لضبط بعض تغييرات
التصريف كالتثنية والجمع السالم، ومنهج الميزان الصرفي لضبط تغييرات المشتقات وجمع
التكسير والتصغير,ومنهج جداول التصريف لضبط تغييرات الضمير ونحوها من المبنيات. استخدمت النظرية الصرفية المناهج
التكميلية لبعض ما خرج على المنهج الأساسى. وتتمثل هذه النظرية فيما يلي :
- الاسمية
- منهج الإلحاق
- منهج القلب
المكاني
-
منهج الإعلال
-
منهج الإبدال.
المراجع
محمد عبد العزيز عبد الدايم، نظرية الصرف العربي، دار السلام: جمهورية
المصر العربية
محمد عبد العزيز عبد الدايم، النظرية اللغوية في التراث العربي، دار
السلام: جمهورية، دار القلم: بيروت لبنان
حسن بن عبد الله الغنيمان، الواضح في الصرف، PDF created
with pdf factory trial version www. Pdffactory,com
وهبة زحيلي، التراث العربي مجلة فصيلة محكمة، اتحاد الكتاب العربي: دمشق
محمد جلال الدين السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، دارالحديث:
القاهرة
رمضان عبد التواب، المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي، مكتبة
الخاتبي: القاهرة
رمضان عبد التواب،، مكتبة الخاتبي: القاهرة
تمام حسان، الأصول، عالم الكتب: القاهرة
تمام حسان، مناهج البحث في اللغة، عالم الكتب: القاهرة
تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، عالم الكتب: القاهرة
أميل بديع يعقوب، فقه اللغة العربية، دار الثقافة الإسلامية: بيروت لبنان
[1]
. وسميَّة عبد المحسن المنصور، ظاهرة التعدد في الأبنية الصرفيّة،
(جامعة الملك سعود: إصدارات مجلة كلية الآداب، 2004)، ص. 7
[3] محمد عبد العزيز عبد الدايم، النظرية اللغوية
في التراث العربي، (قاهرة: دار السلام، 2006 مـ)، ص. 90
[7]
محمد عبد
العزيز عبد الدايم، النظرية اللغوية ... ...، ص. 113
[9]
نظرية الصرف العربي: محمد عبد العزيز عبد الدايم، ص 17، وانظر أيضاً: النظرية اللغوية في التراث العربي، له أيضاً. ص. 51 - 52
[10]
بنى حسن هنداوي على سبيل المثال لا الحصر كتابه مناهج الصرفيين ومذاهبهم في القرنين الثالث والرابع الهجري على أصول مطابقة لأصول
النحو، انظر هنداوي، مناهج الصرفيين. ص 7، فما بعدها.
[13] انظر المنقول عن روبينز والذي
يصف فيه الميزان الصرفي بأنه مفهوم صرفي ذو مستوى تجريدي أعلى بكثير من النموذج الصرفي
التقليدي المتتبع في تحليل اللغات الأروبية، في نظرية الصرف العربي: محمد عبد العزيز
عبد الدايم، ص 47
0 comments: